عبدالله سكور
خريج ماستر الأسرة في القانونين المغربي والمقارن
جامعة ابن زهر
مقدمة
إن الأسرة باعتبارها كيانا اجتماعيا متماسكا، تقتضي التآزر والانسجام بين مختلف مكوناتها، وذلك ما حدا بالشريعة الإسلامية الغراء تسعى إلى استقرارها وقدسيتها، فجعلت منها رباطا وثيق الصلة بين أفرادها، قاسمها المشترك المعاشرة بالمعروف والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات.
وهو النهج الذي نهجته مدونة الأسرة المغربية سعيا منها إلى المساهمة في استقرار الأسرة والحفاظ على وجودها، واستمرارها في أداء الدور المنوط بها في ظل وعي شامل لكل من الزوجين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
إلا أن مساهمة مدونة الأسرة في هذا الإطار لم تكن لتقتصر على تنظيم الروابط الأسرية بين المواطنين المغاربة المتواجدين داخل التراب الوطني، بل تعدتهم لتشمل المقيمين خارج أرض الوطن ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى.
إن تسليط الضوء على وضع هذه الفئة من المواطنين المغاربة الذين اضطرتهم ظروفهم الاجتماعية لأن يكونوا أطرافا في روابط أسرية بأرض المهجر، حتمت عليهم في حالة النزاع اللجوء إلى قضاء دولة الإقامة لاستصدار أحكام قضائية تنهي الخلافات القائمة بسبب تلك الروابط،
ولعل أبرز الاشكالات التي قد يثيرها اسناد هذه الأحكام القضائية إلى قوانين بلد الإقامة تتجلى في مدى سريان تلك الأحكام في بلدانهم الأصلية.
من هنا كان البحث ضروريا عن آليات قانونية تجعل تلك الأحكام الأجنبية سارية المفعول خارج المجال الترابي لدولة المحكمة مصدرة الحكم، وتحترم بطبيعة الحال مبدأ سيادة الدولة التي سينفذ داخل نفوذها الترابي، ومن هذه الآليات دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية.
ومن هذه الآليات القانونية الفقرة الثانية من المادة 128 من مدونة الأسرة التي تنص على أن : " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو بالفسخ ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية ، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين ، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية ، طبقا لأحكام المواد 430 و 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية " .
إن استقراء مقتضيات هذه الفقرة يبين عدم قابلية الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية، والعقود المبرمة بالخارج، للتنفيذ في المغرب، إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة المختصة.
غير أن هذا التذييل بالصيغة التنفيذية ليس على إطلاقه، وإنما قيده مشرع مدونة الأسرة بتوفر زمرة من الشروط ؛ سواء من خلال مدونة الأسرة نفسها، أو بالإحالة على المسطرة المدنية ( المطلب الأول ).
وبتوفر هذه الشروط ، يتوجب على طالب التذييل بالصيغة التنفيذية سلوك مسطرة قضائية وفق القواعد المضمنة من قانون المسطرة المدنية ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : شروط تذييل الأحكام والعقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية
يقصد بالحكم الأجنبي الحكم الصادر عن هيأة قضائية باسم سيادة دولة أجنبية بصرف النظر عن مكان صدوره[1].
فالحكم الأجنبي إذن بهذا المعنى هو كل حكم صادر عن أي دولة غير الدولة المغربية، حيث تبت فيه وتقضي به محاكم غير محاكم المملكة المغربية.
كما سبقت الإشارة، فإنه لكي تنفذ الأحكام والعقود الأجنبية، وتنتج آثارها داخل المغرب، يجب أن تستجمع شروطا وزعها المشرع بين المادة 128 من مدونة الأسرة، والفصول 431 و 432 و 433 من قانون المسطرة المدنية.
وعليه سنقوم بدراسة الشروط الواردة في المادة 128 من مدونة الأسرة ( الفقرة الأولى ) ، ثم الشروط المنصوص عليها في المسطرة المدنية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : الشروط الواردة في مدونة الأسرة
لقد حصرت الفقرة الثانية من المادة 128[2] الأحكام القابلة للتنفيذ في المغرب، وحددتها أساسا في انتهاء العلاقة الزوجية، وذلك إما بالطلاق، أو التطليق، أو الخلع، أو الفسخ.
ولئن كانت هذه المادة أتاحت إمكانية تذييل الأحكام والعقود بالصيغة التنفيذية، فإنها ربطت قبول هذا التذييل بضرورة توفر مجموعة من الشروط، نوردها على الشكل التالي :
أولا : أن يتعلق موضوع الحكم الأجنبي بطلاق أو تطليق أو خلع أو فسخ :
وقد عبرت عنه المادة 128 بقولها : " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو بالفسخ ، تكون قابلة للتنفيذ ... "
وبإعمال مفهوم المخالفة، فإن جميع الأحكام الأخرى المتعلقة بالأسرة، غير التي حددتها هذه المادة، كالنسب والحضانة ... لا يمكن قبول تنفيذها في المغرب.
وهي الفكرة التي رفضه محمد الكشبور حيث أكد على أنه لا ينبغي أن يفهم من إيراد المادة 128 لهذه الحالات على سبيل الحصر، أنها الوحيدة التي تكون محلا لقبول دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية، وإنما يفيد ذلك فقط أنها وحدها المعنية بتطبيق مقتضيات المادة 128[3] .
وبالرجوع إلى الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه: " لا تنفذ في المغرب الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية ...".
فعبارة "الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية"، جاءت عامة يمكن أن تشمل جميع أنواع الأحكام؛ ومن بينها الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية، كالنفقة أو النسب أو الحضانة ... شريطة ألا تكون مخالفة للنظام العام المغربي.
ثانيا : اختصاص المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم
وهو ما عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة 128 ب : "إذا صدرت عن محكمة مختصة"، فلم تكلف نفسها تحديد نوعية هذا الاختصاص، مما خلق نوعا من اللبس حول المقصود به.
فقد ذهب أحد الباحثين[4] إلى أن المقصود به هو مراقبة قواعد الاختصاص الدولي، دون أن يكون القاضي ملزما بالبحث في قواعد الاختصاص الداخلي للدولة الأجنبية نوعيا ومكانيا، لأن البحث في الاختصاص النوعي والمكاني للمحكمة الأجنبية يصعب على القاضي القيام به.
وهو نفسه ما ذهب إليه الدكتور عبد المنعم رياض[5]، معتبرا القاضي غير ملزم بالتحقق من توفر الاختصاص الداخلي النوعي والمحلي، بل إن له إمكانية الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي حتى لو لم يتوفر فيه هذا الاختصاص.
بينما يرى أحد الباحثين[6] أن المقصود هو أن تكون المحكمة مختصة بمقتضى قواعد تنازع الاختصاص القضائي الدولي المعمول بها في المغرب، وأن تكون كذلك مختصة طبقا لقواعد الاختصاص الداخلي في الدولة المعنية بالأمر.
ويعتبر هذا التوجه الأخير أقرب إلى الصواب، ذلك أن عبارة "المحكمة المختصة " الواردة في المادة 128، جاءت مطلقة غير مقيدة باختصاص معين، ومعروف أن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده أو يخصصه.
فيجب إذن على القاضي المغربي متى عرض أمام أنظاره طلب تذييل حكم أجنبي يقضي بإنهاء العلاقة الزوجية[7]، التأكد من اختصاص المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم، من ناحية الاختصاص الدولي، والاختصاص الداخلي نوعيا ومكانيا.
ثالثا : أن يتأسس الحكم الأجنبي على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها مدونة الأسرة لإنهاء العلاقة الزوجية .
فلا يقبل تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في المغرب، إلا إذا طبقت هذه الأحكام المقتضيات المضمنة في مدونة الأسرة المغربية، أو على الأقل ألا يكون متناف مع مقتضياتها ولو لم يذكر سبب إنهاء العلاقة الزوجية كما ورد في مدونة الأسرة، وحتى لو لم يذكر النصوص القانونية المغربية المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية .
وهو ما عبر عنه الدليل العملي لمدونة الأسرة : " ...كما أن الحكم الأجنبي لا يجب أن يذكر السبب المؤسس عليه التطليق بنفس المصطلح الوارد في القانون المغربي كالضرر والشقاق والعيب مثلا، وإنما يكفي أن يكون غير متناف مع الأسباب المقررة في المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية "[8].
وفي قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 5 دجنبر 2007 جاء فيه ما يلي : "طبقا للمادة 128 من مدونة الأسرة فإن الأحكام الأجنبية القاضية بإنهاء العلاقة الزوجية والقابلة للتذييل بالصيغة التنفيذية هي الصادرة بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو بالفسخ وأن الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بلاسبال دامبوردا في القضية عدد 03 / 435 والمطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية قضى بالانفصال الجسماني بين الطرفين المطلوبين في النقض ، وهو سبب للفرقة أجنبي عن مدونة الأسرة التي تضمنت على سبيل الحصر وسائل إنهاء العلاقة ولا يمكن التوسع فيها أو القياس عليها ، والمحكمة لما عمدت إلى قياس ما قضى به الحكم الأجنبي المذكور على الحالة المذكورة في المادة 114 من المدونة ، بالرغم من أن الانفصال الجسماني لا يترتب عليه إنهاء العلاقة الزوجية ، وإنما الانفصال في المساكنة تكون قد أساءت تطبيق المادة 128 المذكورة وعرضت قرارها للنقض "[9].
فالمطلوب من القاضي المغربي إذن، هو البحث في مدى انسجام قانون المحكمة الأجنبية المطبق على النزاع، مع الأسباب التي قررتها مدونة الأسرة لإنهاء العلاقة الزوجية، والتي حددتها المادة 128 على سبيل الحصر، وكما جاء في القرار فإنه لا يمكن التوسع فيها أو القياس عليها.
الفقرة الثانية : الشروط الواردة في قانون المسطرة المدنية
تنص الفقرة الثانية من الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية على أنه : " يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي " .
كما ينص الفصل 431 على أنه : " يقدم الطلب – إلا إذا نصت مقتضيات مخالفة في الاتفاقيات الدبلوماسية على غير ذلك – بمقال يرفق بما يلي :
1- ...
2- ...
3- شهادة من كتابة الضبط المختصة تشهد بعدم التعرض والاستئناف والطعن بالنقض ".
يستفاد من خلال استقراء هذه المقتضيات أنه يشترط لقبول طلب تنفيذ الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية توفر شروط أربعة : صحة الحكم الأجنبي، و عدم مخالفته للنظام العام المغربي، و اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، و أن يكون الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، على ما يستفاد من المقطع الثالث من الفصل 431 أعلاه[10].
وسنكتفي بدراسة وتحليل الشروط الثلاثة التالية : صحة الحكم الأجنبي، وعدم مخالفته للنظام العام ، وأن يكون حائزا لقوة الشيء المقضي به، ذلك أن الشرط الرابع ( اختصاص المحكمة الأجنبية ) سبقت دراسته مع الشروط الواردة في المادة 128.
أولا : صحة الحكم الأجنبي
اقتصر المشرع المغربي لقبول تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، على اشترط صحة هذه الأحكام، دون أن يبين المقصود من ذلك، هل يقصد صحتها من الناحية الموضوعية ؟ أم من الناحية الإجرائية ؟ أم هما معا .
مما خلق نقاشا فقهيا بين من يرى أن القاضي المغربي ملزم فقط بمراقبة صحة الحكم الأجنبي من الناحية الشكلية فقط، وبين من يؤكد على ضرورة استحضار الأمرين معا، الشكلي والموضوعي.
فيذهب البعض[11] إلى اعتبار أن التأكد من صحة الحكم الأجنبي تقتصر فقط على مظاهره الشكلية الخارجية، مؤكدا توجهه بأن الحكم الأجنبي يحمل بين طياته قرينة صحته، وتتعزز تلك القرينة إذا كان نهائيا، ثم إن إعادة النظر فيه ينم عن مساس بالقضاء الذي أصدره.
بينما اتجه بعض الفقه[12] إلى أنه يجب على القاضي الوطني أن يراقب صحة الحكم الأجنبي من الناحيتين؛ الشكلية، والموضوعية.
ولا تخفى الصعوبة التي يواجهها القاضي المغربي، في حالة ما إذا كان ملزما بالنظر في صحة وقانونية الحكم الأجنبي من الناحية الجوهرية، بخلاف مراقبته لصحة القواعد الشكلية، لأنها إجراءات متعارف عليها دوليا، مما يسهل على القاضي مراقبة احترام المحاكم الأجنبية للقواعد الشكلية من عدمه[13].
ثانيا : عدم مخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام المغربي
النظام العام آلية قانونية ابتدعها الفكر القانوني لتقوم بدورها في استبعاد كل المقتضيات القانونية الأجنبية التي تتصادم مع الخيارات الأساسية؛ الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية، وكذلك للحد من كل ما من شأنه أن يثير استياء المجتمع[14].
ومعلوم أن النظام العام المغربي يستمد أسسه من الشريعة الإسلامية ، باعتبار الدين الإسلامي الدين الرسمي للمملكة.
وعليه لا يتصور من القاضي المغربي قبول تنفيذ حكم أجنبي يقضي بالنفقة على الابن الطبيعي، أو حكم آخر يعطي للابن نفس حصة البنت من التركة ... لأنه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، ولمقتضيات مدونة الأسرة، وبالتالي يخالف النظام العام المغربي.
فيجب على المحكمة إذن – وهي تنظر في طلب تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية – أن تراقب مدى احترام الحكم الأجنبي للنظام العام المغربي، وأنه لا يمس به بأي شكل من الأشكال.
وهو ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته : "بمقتضى الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية ، فإنه يجب على المحكمة التي قدم لها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي ، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بتذييل الحكم الصادر عن قاضي المستعجلات غيابيا بالمحكمة الابتدائية ببروكسل في 30 / 09 / 1998 تحت عدد 1390 / 98 رغم عدم استدعاء الطاعن وتبليغه إليه بصفة قانونية وكونه مخالفا لمقتضيات الفصل 127 من مدونة الأحوال الشخصية ، فإنها قد خرقت النصوص القانونية المذكورة وعرضت قرارها للنقض "[15] .
ثالثا : أن يكون الحكم الأجنبي حائزا لقوة الشيء المقضي به
وهو ما يستفاد من المقطع الثالث من الفقرة الثانية من الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية، الذي ينص على أنه من بين الوثائق المرفقة بطلب التذييل بالصيغة التنفيذية : شهادة من كتابة الضبط المختصة تشهد بعدم التعرض والاستئناف والطعن بالنقض .
فيجب إذن، أن يكون الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية نهائيا، وقابلا للتنفيذ في البلاد التي صدر فيها.
وعليه لا يقبل طلب التذييل بالصيغة التنفيذية كل حكم مشمول بالنفاذ المعجل متى كان قابلا للطعن فيه.
المطلب الثاني : الإجراءات المسطرية لتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية
تقتضي دراسة الإجراءات المسطرية في دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، أولا تحديد الجهة المختصة المخول لها البت في طلب التذييل ( الفقرة الأولى ) ، ثم المسطرة المتبعة للبت في الدعوى ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : الجهة المختصة في دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية
ينص الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية على أنه : "لا تنفذ في المغرب الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما " .
لقد منح المشرع المغربي الاختصاص في تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية للمحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه، وفي حالة غيابهما يمنح الاختصاص لمكان التنفيذ.
غير أنه متى تعلق الأمر بتذييل الأحكام الأجنبية المتعلقة بقضايا الأسرة، فإن الاختصاص ينعقد لأقسام قضاء الأسرة، بعد التعديل الذي طال الفصل الثاني من قانون التنظيم القضائي للمملكة لسنة 2004 ، الذي ينص على أنه : " تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق ، ويمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام الأسرة ".
فالمشرع بتعديله هذا، استثنى صراحة قضايا الأسرة من اختصاص غرف المحاكم الابتدائية، وأسنده إلى أقسام قضاء الأسرة. مما ينبغي معه القول أن أقسام قضاء الأسرة هي الجهة الوحيدة المخول لها البت في دعاوى تذييل الأحكام الأجنبية المتعلقة بالأسرة.
غير أن أحد الباحثين[16] يرى أن المحكمة الابتدائية يمكن أن تبت في دعاوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، ذلك أن أقسام قضاء الأسرة جزء لا يتجزأ من مكونات هذه المحاكم، إلى جانب الغرف التجارية ، والمدنية ، والعقارية ، والاجتماعية .
ومادام قسم قضاء الأسرة من مكونات المحكمة الابتدائية كما ذهب إليه هذا الباحث ، فإنه من الطبيعي أن تكون المحكمة الابتدائية هي نفسها المختصة، باعتبار الولاية العامة الممنوحة لها، وباعتبار عدم الاستقلالية التامة لأقسام قضاء الأسرة عنها.
الفقرة الثانية : مسطرة البت في دعوى الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية
ينص الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية على أنه : " يقدم الطلب - إلا إذا نصت مقتضيات مخالفة في الاتفاقيات الدبلوماسية على غير ذلك – بمقال يرفق بما يلي :
· نسخة رسمية من الحكم .
· أصل التبليغ أو كل وثيقة أخرى تقوم مقامه .
· شهادة من كتابة الضبط المختصة تشهد بعدم التعرض والاستئناف والطعن بالنقض .
· ترجمة تامة إلى اللغة العربية عند الاقتضاء للمستندات المشار إليها أعلاه مصادق على صحتها من طرف ترجمان محلف ... "
فيجب على من يريد تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية، أن يقدم طلب ذلك إلى قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه، المختصة بالنظر في دعوى تذييل الأحكام والعقود الأجنبية القاضية بالطلاق، أو بالتطليق، أو بالخلع، أو بالفسخ، بالصيغة التنفيذية.
ويقدم هذا الطلب بنفس الإجراءات المقررة في تقييد الدعوى، المنصوص عليها في الفصول 31 إلى 41 من قانون المسطرة المدنية. ولكن يطرح سؤال هل نحن أمام دعوى مستقلة يلزم لقيامها استدعاء أطرافها أمام المحكمة ؟ أم يكفي توجيهها ضد النيابة العامة ؟
يرى الدكتور الكشبور أن دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية – رغم ارتباطها بالحكم الأجنبي – هي دعوى وطنية حقيقية، مستقلة عن الحكم الأجنبي، يجب أن ترفع إلى المحكمة بمقال افتتاحي لها، وأن ترفع من مدع ضد مدعى عليه[17].
وهو نفس التوجه الذي سلكه الأستاذ عبد السلام زوير[18]، معتبرا أن الأصل فيها هو أن توجه ضد الطرف الآخر في الدعوى، وأن يتم استدعاؤه قانونا وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
ونحن بدورنا نسايرهما في هذا التوجه، خصوصا أن الفصل 430 يتحدث عن موطن أو محل إقامة المدعى عليه، مما يعني وجود طرفي منازعة، مدع ومدعى عليه.
غير أنه لا يجب أن ننسى أنه بإمكان النيابة العامة – باعتبارها طرفا أصليا في جميع قضايا مدونة الأسرة – أن تكون مدعية أو مدعى عليها، كما في حالة حيلولة ظروف قاهرة دون تمكن المدعي من الحضور.
وذلك استجابة لفلسفة المشرع في المجال الأسري، التي تهدف إلى تسريع البت في الدعاوي الأسرية.
ويجب أن يرفق طلب التذييل بالصيغة التنفيذية بالوثائق التالية :
أ- نسخة رسمية من الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية :
فيجب أن تكون صادرة عن موظف مؤهل للإشهاد بصحة النسخة ومطابقتها للأصل، وهو في هذه الحالة كاتب ضبط للمحكمة التي أصدرت الحكم، أو كل موظف مؤهل لذلك، بمقتضى تشريع الدولة التي صدر الحكم عن إحدى محاكمها[19].
ب- أصل التبليغ أو كل وثيقة أخرى تقوم مقامه :
يقصد بهذا الإجراء من الناحية القانونية، إثبات أن كل ما يخص الإجراءات التي اتبعت قد تم تبليغها إلى المدعى عليه، بهدف التأكد من أن حقوق الدفاع قد احترمت من طرف المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم[20] .
ت- شهادة من كتابة الضبط المختصة تشهد بعدم التعرض والاستئناف والطعن بالنقض :
والمقصود به إثبات أن الحكم الأجنبي قد استنفذ كافة طرق الطعن، وأصبح قابلا للتنفيذ بشكل نهائي.
ث- ترجمة تامة إلى اللغة العربية عند الاقتضاء للمستندات المشار إليها أعلاه مصادق على صحتها من طرف ترجمان محلف :
ذلك لأن الأحكام الأجنبية غالبا ما تصدر بلغة غير اللغة العربية، والهدف من هذا الإجراء هو تبسيط تلك الأحكام أمام القضاة، حتى يتمكنوا من فهمها وتكييفها، لأنه ليس كل القضاة يجيدون اللغات الأجنبية.
وقد استعمل المشرع عبارة " عند الاقتضاء "، مما يفيد أن هذه الترجمة إلى اللغة العربية غير ملزمة للمحكمة، فيكون بإمكانها الاستغناء عنها متى آنست في نفسها فهم مضمون الحكم الأجنبي، دونما حاجة إلى ترجمته.
[1] الاستاذ ابراهم بحماني . تنفيذ الاحكام الاجنبية بالمغرب .مجلة القضاء والقانون العدد 148 ص 72.
[2] ونصها : " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو بالفسخ ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية ، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين ، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية ، طبقا لأحكام المواد 430 و 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية " .
[3] محمد الكشبور ، الواضح في شرح مدونة الأسرة ، انحلال ميثاق الزوجية ، الطبعة الثالثة 2015 – 1436 ، مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ص : 259
[4] سفيان أدريوش ، كيف نقرأ مقتضيات تنفيذ الأحكام الأجنبية على ضوء المادة 128 من مدونة الأسرة ، منشورات مجموعة البحث في قانون الأسرة ، سلسلة الندوات ، العدد الأول ، يومي 17 و 18 فبراير 2005 ص : 218
[5] عبد المنعم رياض ، تنازع الاختصاص القضائي الدولي وآثار الأحكام الأجنبية ، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع ، 1994 ،
ص : 461-462
[6] ذ- عبدالسلام زوير ، رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بولمان ، تذييل العقود والحكام الأجنبية الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية .
[7] وقد حصرتها الفقرة الثانية من المادة 128 في : الطلاق و التطليق والخلع و الفسخ .
[8] الدليل العملي لمدونة الأسرة ، الصادر عن وزارة العدل سنة 2004
[9] قرار شرعي عدد 157 ، منشور بمجلة القضاء والقانون ، أورده محمد الكشبور ، مرجع سابق ، ص : 261
[10] وسنكتفي بدراسة وتحليل الشروط الثلاثة التالية : صحة الحكم الأجنبي ، وعدم مخالفته للنظام العام ، وأن يكون حائزا لقوة الشيء المقضي به ، ذلك أن الشرط الرابع ( اختصاص المحكمة الأجنبية ) سبقت دراسته مع الشروط الواردة في المادة 128 .
[11] محمد الكشبور، مرجع سابق ، ص : 264
[12] خالد برجاوي ، مدى استجابة مدونة الأسرة الجديدة لمطالب المجتمع المدني والسياسي ، سلسلة دليل قانون الأسرة بالمغرب ، عدد 4 ، سنة 2004 ، ص : 8
[13] ذ- عدنان المتفوق ، منتدب قضائي بمحكمة الاستئناف بفاس ، تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في ضوء المادة 128 .
[14] سعيد أزدوفال ، المفهوم الجديد للنظام العام في العلاقات الأسرية ، القانون الدولي الخاص ، رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، وحدة التكوين والبحث في في تشريعات الأسرة والهجرة ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة محمد الأول وجدة ، 2007 – 2008 ، ص : 111
[15] قرار المجلس الأعلى عدد 616 الصادر في الملف الشرعي عدد 673 / 2 / 1 / 2003 بتاريخ 22 / 12 / 2004 ، مجلة القضاء والقانون العدد 152 ، ص : 99
[16] معمرو بومكوسي ، تذييل الأحكام الأجنبية في المادة الأسرية بين النص القانوني والعمل القضائي ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، مسلك ماستر القضاء والتحكيم ، جامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، ص : 33
[17] محمد الكشبور ، مرجع سابق ، ص : 253
[18] مرجع سابق ،
[19] معمرو بومكوسي ، مرجع سابق ، ص : 36
[20] محمد الكشبور ، مرجع سابق ، ص : 255
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا