مفهوم الجريمة الالكترونية في ظل
حالة الطوارئ الصحية
حالة الطوارئ الصحية
من اعداد : محمد مؤاب
محام متمرن و باحث في سلك الماستر القانون المدني
جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء
في خضم الأحداث
التي توالت في الآونة الأخيرة بسبب الفيروس كورونا، الذي اجتاح العالم منطلقا من
مدينة يوهان الصينية، سارعت الحكومة المغربية شأنها في ذلك شأن باقي الحكومات دول
العالم، إلى اتخاذ جملة تدابير لتطويق تفشي الفيروس المذكور شملت مجموع التراب
الوطني تحت القيادة النبيلة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وأهم إجراء اتخذته
الحكومة المغربية هو سن مرسوم بقانون أو ما يعرف لدى الفقه القانوني بمراسيم
تدابير تحت رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة
طوارئ الصحية وإجراءات إعلان عنها والجزاءات المترتبة عن مخالفتها[1].
وعلى ضوء هذا
المرسوم نتساءل حول مفهوم الجريمة الالكترونية كأحد الأفعال المخالفة لأحكامه ؟
وإلى أي مدى يتماشى مع المفهوم المستقر عليه لدى غالبية الباحثين المهتمين بالجريمة
المعلوماتية ؟ وأيضا مع التوجه الذي اتبعه المشرع المغربي في المجموعة الجنائية ؟
وما هي طبيعة العقوبات السارية عليها ؟
صراحة ما دفعني
إلى النقاش والبحث في هذا الموضوع هو اعتماد واضع مرسوم بقانون لاسيما في المادة
الرابعة منه مجموعة من الأفعال التي يشكل إتيانها مساس بإجراءاته وبالتالي جريمة
معاقب عليها طبقا للقانون ومن بينها الأفعال المرتكبة باستعمال وسيلة إلكترونية أو
دعامة إلكترونية .
ولمعالجة الموضوع
إرتئيت إلى العمل بالتقسيم التالي :
المطلب الأول:
حالة الطوارئ الصحية ومفهوم الجريمة الالكترونية
أما غياب نص
تشريعي في المسألة ويرجع إلى ذلك الوتيرة السريعة التي تعرفها ظهور الجرائم
الرقمية في العصر الحالي.
و لتحديد مفهوم الجريمة الإلكترونية بدقة لابد
من تفكيك المصطلحين عن بعضهما البعض حيث تعرف الجريمة بوجه عام ضمن القانون
الجنائي المغربي لاسيما الفصل 110 منه بأنها { عمل أو امتناع مخالف للقانون
الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه}.
بينما الالكترونية
تفيد الوسيلة المستعملة والتي تتمثل في جهاز الحاسوب الآلي وغيره من الوسائل
التقنية كهاتف الذكي وللوحات الذكية مربوطا بشبكة الإنترنيت الدولية .
وإذا جمعنا
المصطلحين معا يمكننا أن نعرف الجريمة الإلكترونية بأنها ارتكاب فعل أو امتناع
مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه باستعمال وسيلة إلكترونية.
هذا وقد عرف بعض
الباحثين الجريمة الإلكترونية بأنها{ أنماط من الجريمة تستخدم فيها التقنية
الحديثة من أجل تسهيل عملية الإجرام }[2]
ومما لاشك فيه أن
مفهوم الجريمة الإلكترونية في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة بمرسوم بقانون
المذكور يعد مفهوم شمولي ، يتسع ليشمل مختلف الصور التي يمكن أن تمس بالإجراءات
الواردة فيه ومتى كانت الوسيلة المعتمدة إلكترونية لاسيما في الوضع الراهن المتمثل
في انتشار وباء مسمى كوفيد 19 كورونا .
حيث أنه بقراءتنا
للمادة الرابعة من المرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية وإجراءاتها
والجزاءات المترتبة عن مخالفتها التي تقتضي ما يلي :
{ .............
يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس
من شهر إلى ثلاثة أشهر وبالغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى الهاتين العقوبتين،
دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .
يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات
السلطات العامة العمومية المتخذة
تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه، وكل
من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفقرة، بواسطة الخطب أو
الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة
مكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع
أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام
السمعية البصرية أو الإلكترونية ، أو أي وسيلة تستعمل لهذا الغرض دعامة
الإلكترونية .}.
نستشف معه بأن الجريمة الإلكترونية أصبح
لها مفهوم مغاير في ظل مرسوم بقانون المذكور فلم يعد كما كان عليه الحال في
القانون الجنائي خاصة الباب العاشر منه المتعلق بالجرائم الماسة بالنظم المعالجة
الآلية للمعطيات الإلكترونية( الفصول 607.1 إلى 607.11 منه )[3].
والتي بإطلاع عليها نستخلص بأن الجريمة
الالكترونية في ظل هذه المقتضيات لا تخرج عن الصور التالية :
ü
الدخول لنظام المعالجة الآلي للمعطيات
الإلكترونية عن طريق الاحتيال أو الدخول عن طريق الخطأ مع البقاء فيه دون ترخيص،
أو عرقلة عمدا سير تلك النظم أو إحداث خلل فيها أو إتلافها أو حذفها أو تغييرها أو
تغيير طريقة معالجة أو طريقة إرسالها عن طريق الاحتيال ( الفصول 607.3 و 607.4 و
607.5 و 607.6 من ق ج ).
ü
تزوير وتزييف وثائق المعلوميات أيا كان شكلها
.( الفصل 607.7).
ü
صنع تجهيزات أو أدوات أو إعداد برامج
معلوميات خصيصا لارتكاب جرائم الماسة بالنظم المعالجة الآلية للمعطيات الإلكترونية
.
فالجريمة
الإلكترونية المقصودة في المادة الرابعة من المرسوم بقانون المذكور تتحقق بمجرد
استعمال وسيلة إلكترونية لعرقلة تنفيذ قرارات السلطات العمومية، أو تحريض على ذلك
بأي شكل من أشكال الواردة فيها .
وفي هذا الصدد
نتساءل عن الركن المادي والمعنوي لهذه الجريمة ؟
الركن المادي
للجريمة الإلكترونية الماسة بإجراءات الحجر الصحي:
يتحقق الركن المادي في هذه الجريمة بمجرد تحقق
العناصر التالية:
·
صدور فعل مادي يتخذ إحدى الأشكال الواردة في
المادة الرابعة من مرسوم بقانون المذكور سواء بصفة شخصية أو بواسطة وتتجسد في (
التهديد، العنف التدليس ، الإكراه ، خطب ، صياح ، تفوه بالتهديد ، إصدار أو عرض أو
توزيع أو بيع مكتوبات، مطبوعات ، صور ، أشرطة .).
·
استعمال وسيلة إلكترونية أي استعمال الهاتف
الذكي أو الحاسوب أو أي جهاز إلكتروني مرتبط بالشبكة إنترنيت بحيث يسطيع بواسطتها
الدخول إلى مختلف المواقع والمنصات الإلكترونية والقنوات الإلكترونية خاصة مواقع التواصل
الاجتماعي.
·
حصول نتيجة والتي تتمثل في كون الفعل المادي
الملموس والوسيلة الإلكترونية المستعملة ترتب عنها عرقلة تنفيذ القرارات السلطات
العمومية المتخذة تطبيقا للمرسوم بقانون.
ب . الركن
المعنوي في الجريمة الإلكترونية الماسة بإجراءات الحجر الصحي
يتحقق الركن
المعنوي في هذا النوع من الجرائم بتوافر عناصره كما هي محددة طبقا للقواعد العامة
للقانون الجنائي ألا وهي توجيه الجاني إرادته نحو ارتكاب وقعة مجرمة ومعاقب عليها
طبقا للقانون مع علمه بذلك.
وقد عرف أحد
الباحثين الركن المعنوي في الجريمة الإلكترونية بأنه { يتضح من خلال توضيح الحالة
النفسية للجاني والعلاقة التي تربط بين مادية الجريمة وشخصية الجاني }.[4]
المطلب الثاني : عقوبة الجريمة الإلكترونية الماسة بإجراءات الحجر
الصحي
تطبيقا لمبدأ
الشرعية لا يمكن أن نعتبر فعلا ما جريمة وبالتالي العقاب عليه إلا إذا ورد نص صريح
في القانون يجرمه ويعاقب عليه وهو ما ينطبق على الجريمة الإلكترونية الماسة
بإجراءات الحجر الصحي من منظور مرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية.
حيث بالرجوع إلى
المادة الرابعة منه نجدها تقتضي ما يلي:
{ يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي
أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، التقييد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات
العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه.
يعاقب على مخالفة
أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبالغرامة تتراوح بين 300
و1300 درهم أو بإحدى الهاتين العقوبتين، دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .
يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ
قرارات السلطات العامة العمومية
المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس
أو الإكراه، وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفقرة،
بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات
العمومية، أو بواسطة مكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو ألأشرطة المبيعة أو
الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو
بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية ، أو أي وسيلة تستعمل
لهذا الغرض دعامة الإلكترونية .}.
مما يفيد أن
العقوبة المقررة للجريمة الإلكترونية الماسة بإجراءات الحجر الصحي، تم تكيفها على
أساس جنحة تأديبية ، لكن قد تتخذ هذه الأخيرة وصفا أخر مما يشدد العقوبة وبالرجوع
إلى القانون الجنائي الذي يعد الشريعة العامة في العقوبات حيث يمكن أن تتصف بجنحة
ضبطية بحيث ترفع العقوبة المقررة لها من 1 إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية من
10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى العقوبتين متى قام الجاني بأفعال المذكورة في
المادة الرابعة في المرسوم بقانون عن طريق عرقلة عمدا سير نظام المعالجة الآلية
للمعطيات الإلكترونية أو إحداث خللا فيها طبقا لمقتضيات الفصل 607.5 من القانون
الجنائي.
أيضا القيام
بأفعال المذكورة في المادة الرابعة من المرسوم بقانون المذكور عن طريق التزوير أو
تزييف وثائق المعلوميات إضرار بالمجتمع ( المشرع استعمل عبارة إضرار بالغير) وكذا
من استعمل هذه الوثائق وهو يعلم بأنها مزورة أو مزيفة حيث ترفع العقوبة من سنة إلى
خمس سنوات والغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين لتتصف
كذلك بوصف جنحة ضبطية تماشيا مع ما ورد في المادة الرابعة من المرسوم المذكور التي
تنص بالحرف على ما يلي : دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .
وبهذا نخلص في
الأخير بأن واضع مرسوم بقانون المتعلق بالحالة الطوارئ الصحية المفروضة كآلية للحد
من انتشار الفيروس كوفيد 19 كورونا تبنى مفهوما شاملا للجريمة الإلكترونية لعلا ذلك
يسهم بشكل فعال في ردع وكبح جماح محبي الشهرة السريعة على حساب الحالة النفسية
للمغاربة و مس بالجهود المبذولة من قبل مختلف مكونات المجتمع من أجل خروج بلادنا
من الظرفية الوبائية التي تجتاح كل بلاد العالم .
[4] * ثنيان
ناصر آل ثنيان، إثبات الجريمة الإلكترونية ، دراسة تأصيلية والتطبيقية ،رسالة
ماجستر ، تخصص السياسة الجنائية ، الرياض سنة 2012.
الجريمة الالكترونية هى من اهم جرائم العصر ولاتكفى القوانين العربية والتشريعات الحاليىة لمواجهتها
ردحذف