ضحايا حوادث السير
بين قصور الحـماية القـانـونية وضرورة المراجعة التشريعـية
إعداد : هشام السفاف
عضو نادي قضاة المغرب
إذا كانت الحاجة أم
الاختراع كما يقال، فإن ضرورة الانتقال من مكان إلى مكان، والسفر من بلد إلى بلد،
وما يترتب عن ذلك من ضياع للوقت وبذل للجهد، حتمت على الانسان إيجاد وسيلة ناجعة
قصد تقليص المسافات البعيدة، وتوفير الراحة، واختزال الجهد أثناء التنقل والسفر،
فأدى به ذلك إلى اختراع وسائل المواصلات بشتى أنواعها سواء ما كان منها بريا أو
بحريا أو حتى جويا.
فهي بذلك تعد إحدى
الحسنات الجليلة التي أفرزها التطور التكنلوجي الهائل الذي عرفه العصر الحديث، لكن
هذا الوجه المشرق سرعان ما يرتد كئيبا مظلما، كلما نظرنا إلى الإحصاءات الدورية
التي تطالعنا بها الجرائد الوطنية والجهات الرسمية عن جسامة الأضرار المادية
والجسدية والمعنوية التي تنجم إما عن سوء سلوك الانسان في استعمال وسائل المواصلات
المذكورة، أو عن سوء حالتها الميكانيكية نتيجة إهمال صيانتها أو عن سوء الأحوال
الجوية والمسالك الطرقية.
ومع تزايد أخطار حوادث
السير، فإن الضحايا أو ذوي حقوقهم قد يتعرضون للضرر مرتين، الأول: نتيجة للوفيات
والإصابات والخسائر الناجمة عنها، والثاني: بسبب عسر المسؤولين عن هذه الحوادث
وعدم قدرتهم المادية على جبر الأضرار اللاحقة بهم، ما يجعلهم عرضة لمجابهة تكاليف
العلاج، وأضرار الإصابات وآثارها السيئة على حياتهم الشخصية والمهنية بمفردهم إن
استطاعوا، أو استجداء الإعانات من الأقارب وعامة الناس، خاصة مع قلة الحيلة وقصر ذات
اليد، هذا فضلا عما يصيب أسرهم من معاناة معيشية إذا كانوا مصدر رزقهم الوحيد، ومن
صرف للجهد في سبيل الاعتناء بهم ورعايتهم وما يستتبع ذلك من انخفاض في معدلات
الإنتاج على المستوى الفردي والجماعي، هذا فضلا عما يتحمله المجتمع والدولة من
تكاليف الخدمات العلاجية وما تشمله من خدمات الإسعاف، والإقامة بالمستشفيات والتدخلات
الجراحية، والمراقبة الطبية، والفحوصات والتداوي، وكذا الأعباء الناتجة عن تنامي حالات
المصابين العاجزين، وذوي العاهات الناتجة عن حوادث السير، وما يستنزفه ذلك من
الناتج الوطني الإجمالي[[1]]
للدول النامية بما يتراوح بين 1℅ و2℅، وهو ما يفوق حجم المساعدات الإنمائية التي
تتلقاها، خاصة وأن غالبية المصابين هم من فئة الشباب بين 15 و 44 سنة.
لذلك وجد المشرع في فكرة
إجبارية التأمين على المسؤولية المدنية التي قد تتسبب فيها العربات البرية الخيار
الأمثل، بوصفها آلية قانونية تسمح بتوفير الحماية الضرورية للمتضرر عن طريق طرف
ثالث يتمثل في مقاولات التأمين، التي تعمل على تعويضه عن الأضرار اللاحقة به.
ونظرا لأن تعويض ضحايا
حوادث السير وذوي حقوقهم، كان يتم اعتمادا على القواعد العامة للمسؤولية التي
يؤطرها الفصلان 78 أو 88 بالإضافة إلى الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود، وذلك
وفق السلطة التقديرية للمحكمة التي تستند على مبدأ '' جبر الضرر كاملا ''؛ فقد
كانت المبالغ المحكوم بها للمتضررين جد مهمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها
كانت غير محددة بمقياس واحد؛ بل ومتفاوتة في أحيان أخر، رغم تشابه الحالات، ما دفع
شركات التأمين إلى إعلان الشكاوى ضد الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر في
مواجهتا بعلة المبالغة في تحديد التعويضات المحكوم بها، وتأثيرها على قدراتها
المالية على الوفاء بالتزاماتها، وكذا صعوبة الاستمرار في أنشطتها التأمينية، خاصة
مع ارتفاع معدل حوادث السير، وتعدد الأخطار القابلة للتعويض، وكذا الظروف
الاقتصادية السيئة التي كانت تمر بها البلاد والتي أدت إلى نهج سياسة التقويم
الهيكلي خلال فترة الثمانينات.
فكان من نتائج ذلك، تدخل
المشرع المغربي بإصداره ظهير 02-10-1984 المتعلق بتعويض المصابين في حوادث السير
التي تسببت فيها عربات برية ذات محرك، وكذا مرسوم 14-01-1985 المتعلق بجدول تحديد
نسب العجز، الذين وضعا معايير محددة للخبراء قصد استخلاص نسب العجز اللاحقة
بالضحايا، وقواعد حسابية جامدة على أساسها يتم تعويض المتضررين من طرف المحاكم
التي أصبحت سلطتها التقديرية مقيدة بها.
وفي هذه الورقة سنسلط
الضوء على بعض أهم الآثار السلبية التي خلفها التدخل التشريعي المذكور على نظام
التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث السير، وذلك عبر دراسة وتحليل موضوعي
الفقرتين أدناه.
أولا: تخلف الحد الأدنى للأجر المعتمد وهزالته.
إن التعويضات المستحقة
للمتضرر جسمانيا تحتسب طبقا لمقتضيات المادة 5 من ظهير 1984 على أساس رأس
المال المعتمد، الذي يقع استخراجه وفقا للجدول الملحق بالظهير، والمتعلق بكيفية
تعويض الضرر البدني الناتج عن حوادث السير، وذلك من جهة أولى، باعتبار سن
المصاب حين وقوع الحادثة وأجرته أو كسبه المهني، ومن جهة ثانية، بالنظر إلى
نسب العجز التي يحددها الطبيب الخبير استنادا لجدول تقدير نسب العجز كما جاء بها
مرسوم 1985، ومن جهة ثالثة، مراعاةً لقسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في
الحادثة أو المسؤول المدني.
ونظرا لأن كثيرا من
الضحايا قد يكونون في مرحلة البحث عن عمل أو أنهم يعملون لكن ليس لهم دخل قار أو
أنهم لا يستطيعون إثبات دخلهم الحقيقي - رغم اشتغالهم بصفة مستمرة - لكونهم
مياومين أو عمالا في قطاعات غير مهيكلة لا يتلقون أجورهم وفق الشكليات القانونية
(بيان الأجر)، فقد افترض لهم المشرع المغربي حدا أدنى للأجر لا يمكن النزول عنه.
وبما أن الواقع المعيش
لم يكن جامدا، بل كان - ولا يزال - يعرف دينامية متحركة على الصعيدين الاقتصادي
والاجتماعي، فقد نصت المادة 14 من
الظهير على وجوب تغيير المبلغين الأدنى والأقصى المحددين بالجدول الملحق
بالظهير، تبعا للتغير الطارئ على الأجر المطابق لقيمة 150 نقطة الأولى للأرقام
الاستدلالية لشبكة أجور موظفي الدولة، بمقتضى قرار لوزير المالية.
وتبعا لذلك، فقد عرف هذا
الجدول بعض التغييرات الطفيفة والمحتشمة التي أتت على استحياء، فانتقل الحد الأدنى
السنوي للأجر من مبلغ 7238 درهما بتاريخ 02-10-1984[[2]]،
إلى مبلغ 9270 درهما بتاريخ 17-12-1998[[3]]،
ثم توقفت المراجعة منذ ذاك التاريخ إلى يومنا هذا؛ وهو ما يربو عن 20 سنة من
الجمود، دون أن يقع أي تغيير على الحدين الأدنى والأقصى للأجر. رغم ما عرفته
منظومة الأجور في المغرب من تعديلات مهمة سواء على مستوى أجور موظفي الدولة، التي
عرفت تحسنا ملحوظا بالرفع منها مع حذف للسلالم الدنيا وإدماج أصحابها في دراجات
أعلى، أو على مستوى أجور القطاع الخاص التي عرفت بدورها زيادات مهمة، وإن كانت لا
ترقى بعد إلى الحد المأمول.
وفي هذا الصدد، فإنه بمقارنة
حسابية بسيطة بين تعويض المصابين ضحايا حوادث السير والمصابين ضحايا حوادث الشغل
فسنجد بونا شاعا بين الفريقين، ذلك أن الأجر السنوي الأدنى المتخذ أساسا
لاحتساب التعويضات والإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية أو
لذوي حقوقهم، يقدر بمبلغ
30.796,48 درهما[[4]]،
حسب آخر قرار لوزير التشغيل، أي أن معدل الأجر الشهري يصل إلى مبلغ 2566,37 درهما.
وبالمقابل، فإن الأجرة
السنوية الدنيا المحددة أساسا لاستخراج الرأسمال المعتمد لتعويض ضحايا حوادث
السير، كما أشرنا سابقا هي مبلغ
9270 درهما، أي بمعدل أجر شهري لا يتعدى 772,50 درهما، وهو ما
يطرح أكثر من علامة استفهام، على هذا الوضع القانوني المتناقض مع الواقع الاجتماعي
المعيش ؟
فهل يتصور في ذهن ذي عقل
سليم، أن يكون الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص يتجاوز 30.796,48 درهما سنويا،
ثم لا يتعدى الأجر السنوي الأدنى الذي تؤسس عليه تعويضات ضحايا حوادث السير، ثلث
هذا المبلغ ؟
وهل يمكن تصور مياوم أو
بائع متجول أو عامل في قطاع من القطاعات غير المهيكلة، يشتغل بدخل شهري لا يتجاوز
772,5 درهما في الشهر، أي ما لا يتجاوز 25,75 درهما يوميا ؟
ثم ألا يستحق ضحايا
حوادث السير على الأقل الحماية ذاتها التي لضحايا حوادث الشغل؟
ذلك أن حوادث السير
وحوادث الشغل وجهان لعملة واحدة؛ إذ أنها تخلف للضحايا أضرار جسمانيا ونفسية من
شأنها التأثير على حياتهم الاجتماعية وقدراتهم المهنية، هذا فضلا عن أنهم ليسوا
صنفا واحدا، ذلك أن منهم فئة تشتغل لحسابها الخاص، ومنهم فئة - وهي الغالبة –
تشتغل لدى الغير، عمالا ومياومين وأجراء، وقد تعرض لهم الإصابات المرورية خارج
أوقات عملهم، بالتالي يحرمون من المقتضيات الحمائية التي يقدمها القانون رقم 18-12
المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، وقد تؤثر على كفاءاتهم المهنية وبالتالي على فرص
شغلهم، وقد تحرمهم إصاباتهم من التكسب وتحصيل لقمة العيش، وهو ما سيكون له وقع
مأساوي على مستواهم المعيشي، وحياتهم الشخصية والنفسية، والاجتماعية برمتها هم
وأسرهم.
ثانيا: عدم التناسب بين قدر التعويض وحجم الضرر.
إن من بين القواعد
المستقر عليها في إطار المسؤولية المدنية، ضرورة أن يغطي التعويض الممنوح للمتضرر
كافة الأضرار اللاحقة به من جراء الفعل الذي تسبب في حدوث الضرر، دون تفريط ولا
إفراط، ذلك أنه إذا زادت قيمة التعويض عن قدر الضرر إلا وأصبحنا أمام إثراء بلا
سبب للمضرور على حساب المسؤول عن الضرر، كما أنه إذا نقصت قيمة التعويض عن قدر الضرر
إلا وأصبحنا أمام هضم لحق المضرور لحساب المسؤول عن الضرر، وفي كلا الحالتين نصبح
أمام اختلال واضح في ميزان العدالة.
على أنه وحتى لا نقع في
المثالية المفرطة، فإن المراد بالتعويض الكامل ليس المقصود منه المساواة المطلقة
تماما، إذ ذلك يعتبر من المحال الممتنع، خاصة مع تداخل الأضرار وعسر تقييمها بشكل
دقيق، واتصال بعضها بالمشاعر والأحاسيس، وارتباط ذلك بالسلطة التقديرية البشرية
(خبراء وقضاة) لذلك فالمطلوب هو تقدير التعويض بصورة تقريبية ما أمكن، ودون تفاوت
فاحش. ذلك أن الغاية التي يتوخاها نظام التعويض هي إعادة التوازن الذي اختل نتيجة
الضرر بأقصى ما يمكن من الدقة أو رد المضرور إلى الوضع الذي كان عليه كما لو أن
الضرر لم يقع أصلا.
وفي هذا الصدد، فإن
تأسيس المادة 5 من ظهير 1984 المشار إليها أعلاه، التعويض المستحق للمتضرر
على الرأسمال المعتمد، الذي يقع استخراجه بناء على معايير شخصية غير موضوعية، مثل
اعتبارها سن المصاب وأجرته أو كسبه المهني حين وقوع الحادثة، من شأن ذلك كله عدم
تعويضه تعويضا كاملا، خاصة أنه بمراجعة الجدول الملحق بالظهير يتبين أن قدر
الرأسمال المعتمد لحساب التعويض يختلف بصورة مطردة مع سن الضحية، ذلك أنه كلما صغر
سنه إلا وارتفع قدر الرأسمال المعتمد (مثلا: إلى غاية 21 سنة مع اعتبار الحد
الأدنى للأجر، فإن الرأسمال المعتمد هو 140913 درهما)، وعلى العكس من ذلك كلما زاد
سنه إلا وقل قدر الرأسمال المعتمد (مثلا: في سن 55 سنة وما فوقها مع اعتبار الحد الأدنى
للأجر، فإن الرأسمال المعتمد هو 87035 درهما) .
ولبيان وجه عدم التناسب
المشار إليه آنفا، سنعرض بعض الحالات الافتراضية قصد تقريب الفكرة إلى الأذهان، ونظرا
لأن الأضرار القابلة للتعويض متنوعة حسبما عددتها المادة 3 من الظهير من
قبيل : العجز الكلي المؤقت، والعجز البدني الدائم، والألم الجسماني، وتشويه
الخلقة، والاضطرار إلى الاستعانة بشخص آخر على وجه الدام قصد القيام بأعمال الحياة
العادية، وتغيير المهنة تغييرا كليا، والآثار السيئة على الحياة المهنية،
والانقطاع عن الدراسة النهائي وشبه النهائي، كما أن طرق حساب التعويضات عنها
تختلف باختلاف نسب العجز ودرجاته، هذا فضلا عن أن الغالبية العظمى من ضحايا حوادث
السير لا تخلف لهم الحوادث كل تلك الأضرار، وإنما تقتصر غالبا على الأضرار الأربعة
الأولى، وفي كثير من الحالات لا تخلف لهم إلى الضررين الأول والثاني في حين تكون
باقي الأضرار – إن وجدت - دون المستوى المطلوب قانونا للتعويض عنها وفق المادة
10 من الظهير.
قلت: نظرا لذلك، وما دام
التعويض عن العجز البدني الدائم، يعتبر هو التعويض الأساسي في حين أن التعويضات عن
باقي الأضرار الأخرى ما هي إلا تعويضات تكميلية له، فسنقتصر فقط عليه ليكون مثالا
على ما عاداه من الأضرار، مع التنبيه إلى أننا سنفترض في الحالات المدروسة أدناه
أن مسؤولية المتسبب في الحادثة كاملة، قصد تقريب الفكرة ليس إلا، والحال
أنه من الناحية الواقعية فإن المتضررين غالبا ما يساهمون بدورهم في وقوع الحوادث
من خلال عدم انتباههم ومراعاتهم لقواعد السير المفروضة على جميع مستعمليها، بالتالي
فإنهم يتحملون جزءا من مسؤوليتها، الذي يخصم بلا شك من مبلغ التعويض الممنوح لهم.
الحالة الأولى :
لنفرض أن شخصا يشتغل أجيرا
(عاملا فلاحيا)، سنه 25 سنة، غير أنه لم يستطع الإدلاء بأي وثيقة تثبت دخله
الحقيقي، وقد تعرض لحادثة سير خلفت له مجموعة من الأضرار من بينها العجز البدني
الدائم، وحدد له الطبيب الخبير عنه نسبة 10℅.
ونظرا لأن هذا الضحية لم يدل بما يثبت أجره أو كسبه المهني، فإنه حسب المادة
6 من الظهير يجب اعتبار مبلغ الأجرة الدنيا الذي هو 9270 درهما دخلا سنويا له،
وبما أن قيمة نقطة العجز الجزئي الدائم التي تعادل 1% من الرأسمال المعتمد، لا يمكن أن تقل عن خُمس (5
/1) الحد الأدنى للدخل الذي هو 1854 درهما، حسب المادة 5 من الظهير، وذلك
بغض النظر عن سنه؛ فإن التعويض المستحق له يصبح هو :
-
1854 × 10 = 18.540 درهما، (على افتراض
أن المتسبب يتحمل المسؤولية كاملة).
الحالة الثانية :
لنفرض أن ضحية يوجد
بالوضعية ذاتها التي عليها الضحية الأولى، غير أنه أدلى ببيان أجر (يفيد أن أجره
اليومي هو 100 درهم)، وقد تعرض لحادثة سير خلفت له مجموعة من الأضرار من بينها
العجز البدني الدائم، وحدد له الطبيب الخبير عنه نسبة 10℅.
ومادام أجر الضحية اليومي
هو 100 درهم، فإن أجره الشهري (26 يوم عمل القانونية) يكون هو 2600 درهم، وعليه
يكون أجره السنوي هو 31200 درهم، بالتالي فإن
الرأسمال المعتمد الموازي لسنه ودخله السنوي حسب الجدول هو 294000 درهما، وبذلك
يكون التعويض كالتالي:
-
294000×10℅=29.400 درهما (نفرض أن المسؤول عن الحادثة يتحملها كاملة).
الحالة الثالثة :
لنفرض أن ضحية يوجد
بالوضعية ذاتها التي عليها المصابان اعلاه، غير أن سنه 50 سنة.
ومادام أجره اليومي هو
100 درهم، فإن أجره الشهري (26 يوم عمل القانونية) يكون هو 2600 درهم، وعليه يكون أجره السنوي
هو 31200 درهم، بالتالي فإن الرأسمال المعتمد الموازي لسنه ودخله السنوي حسب
الجدول هو 211500 درهم، وبذلك يكون
التعويض كالتالي :
-
211500 ×10℅= 21.150 درهما، (نفرض أن المسؤول عن الحادثة يتحملها كاملة).
وعليه إذا عقدنا
المقارنة بين الحالتين الأولى والثانية، فإن المصابان، يتقاسمان العمل ذاته،
وتعرضا للضرر نفسه، وغالبا ما يشتغلان بالأجر عينه، فهما يتساويان في كل شيء، ما
عدا الدخل، الذي استطاع المتضرر الثاني إثباته (100 درهم يوميا)، في حين لم تكن
للأول أي حجة لإثباته، مع أنهما في غالب الأحيان يتقاضيان الأجر نفسه، خاصة إذا
تعلق الأمر بقطاع فلاحي واحد. ومع ذلك فإن التعويض المستحق لكل واحد منهما يختلف
عن الثاني، وقد وصل الفارق بينهما إلى ما يفوق الثلث.
وإذا عقدنا المقارنة بين
الحالتين الثانية والثالثة؛ فإنا سنجد اختلافا بينا في قيمة التعويض، وسبب ذلك أن
الضحية الثالث، وإن كان قد أثبت دخله، فإن كبر سنه حال دون أن يحصل على تعويض أعلى
مماثل للضحية الثاني.
وبذلك، نلاحظ أن اعتماد
معياري الاجر السنوي (خاصة الحد الأدنى) للمصاب وسنه بتاريخ الحادث له
بالغ في تحديد قيمة التعويض عن الضرر البدني الذي أصابه، حيث ينخفض قدر التعويض
كلما كبر سنه (من 21 سنة إلى غاية 55 سنة) وقل دخله (ابتداء من الحد الأدنى)، والعكس
بالعكس، مع الإشارة إلى أن غالبية المصابين في قضايا التعويض عن حوادث السير
الرائجة بمحاكم المملكة، لا يستطيعون اثبات دخلهم، فيحتسب لهم التعويض على أساس
الحد الأدنى المشار إليه أعلاه، وهي تصل
في تقديري الشخصي إلى حوالي 80℅ من مجموع قضايا حوادث السير.
وفي جميع الأحوال فإن
ذلك يعطينا في كثير من الأحيان تعويضات هزيلة جدا وهو ما يضرب في العمق مبدأ
التناسب بين قدر التعويض وحجم الأضرار، ويجعل التعويض رهينا بسن الضحية ودخله
(الذي غالبا ما يعجز عن اثباته وهذا اشكال آخر مرتبط بضعف الهيكلة على مستوى
القطاع الخاص)، وليس بحجم الضرر الفعلي الذي تعرض له، والذي ينبغي جبره بصفة
كاملة، حتى يعود إلى الحالة التي كان عليها قبل الإصابة، أو على الأقل تجاوز
آثارها الحالة على المصاب.
خــــلاصــــة :
وفي ختام هذه الورقة
التي حاولت تسليط الضوء على جانب من الجوانب المهمة المرتبطة بمخاطر السلامة
الطرقية، وهو التدخل اللاحق على وقوع حوادث السير، وذلك بغرض التخفيف من معاناة
المصابين أو ذوي حقوقهم وتعويضهم بما يضمن الحد المعقول والمطرد مع التحولات
الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية التي عرفها المغرب، فإني أدعو إلى ضرورة التدخل
التشريعي، قصد إعادة النظر في مقتضيات ظهير 1984 المتعلق بتعويض المصابين من جراء
حوادث السير، بما يضمن تحقيق التعويض الكامل للأضرار التي لحقتهم، ويكفل التوازن
بين مصالحهم وبين مصالح الملزمين بأداء التعويضات، مع ضرورة التدخل بصورة
استعجالية – في انتظار إعادة النظر في الظهير المذكور – قصد الرفع من مبلغ الأجرة
الدنيا التي بقية جامدة لأكثر من 20 سنة عن آخر تعديل، والحال أن المادة 14 من
الظهير تنص على ضرورة تعديل الحدين الأدنى والأعلى المحددين في الجدول تبعا
للتغيير الطارئ على الأجر المطابق لقيمة 150 نقطة الأول من الأرقام الاستدلالية
لشبكة أجور وموظفي الدولة، مع ملاءمته مع الحد الأدنى للأجور المعمول به حاليا،
حتى ترتفع المفارقة الصارخة والتناقض الفاحش بين الحدين الأدنى للأجر المعتمدين
لتعويض المصابين في ميداني حوادث الشغل وحوادث السير، لتطابق الآثار الناجمة عنهما
معا، وضمانا لحماية أشمل لهم.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا