موضوع المركزية واللامركزية الادارية (1)
تتبع الدول في تنظيماتها الإدارية مجموعة من الطرق والأساليب، تختلف باختلاف النظام السياسي والإداري لكل دولة، فمنها من يطبق أسلوب المركزية الإدارية، ومنها من يأخذ باللامركزية الإدارية، ومنها من يتبع اللامركزية السياسية.
فالمركزية الإدارية تعني في مفهومها العام، التوحيد وعدم التجزئة، أما في مجال التنظيم الإداري فيقصد بها "توحيد نشاط الإدارة في أيدي السلطة التنفيذية، فيتحقق بذلك لفروعها الكائنة في العاصمة أو الأقاليم، التعاون بينها عن طريق إتباع وحدة النمط والأسلوب" (2).
وتتخذ المركزية الإدارية في التطبيق العملي صورتان، احدهما التركيز الإداري، والأخر عدم التركيز الإداري. ففي الحالة الأولى يناط بالرؤساء الإداريين في العاصمة –وهم الوزراء- اتخاذ جميع القرارات اللازمة لسير النشاط الإداري عموما، دون أن يكون للوحدات الإدارية الأخرى الموزعة في العاصمة أية سلطة في الانفراد باتخاذ قرارات بصورة مستقلة عن السلطة المركزية. أما في الحالة الثانية فانه يخول لبعض الموظفين الحكوميين، سواء كانوا مقيمين في العاصمة آو في الإقليم، اختصاصات خاصة تمكنهم من إصدار قرارات نهائية في بعض المسائل، وسلطة البث فيها دون الرجوع إلى الوزير. على أن هذا لا ينبغي أن يصل إلى حد وضع خطط، إذ أن ذلك يتم بواسطة السلطة المركزية فقط. إلا أن سلطة البث هاته لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير وإنما يخضعون بالرغم من ذلك إلى إشرافه والى رؤوسائه الإداريين في نطاق السلطة الرئاسية. ويرتكز أسلوب اللاتركيز الإداري أساسا على تفويض الاختصاص.
وقد أصبح هذا النظام المركزي اليوم، ينحصر في بعض الدول الصغيرة كالفاتيكان وموناكو وسان مورينو... وهي لا تعدو كونها مدنا صغيرة تساعدها بساطة الحياة الإدارية فيها على ممارسة المركزية المطلقة. ولكن الدول المعاصرة وبناء لمتطلبات الديمقراطية واتساع نشاطاتها وتعدد واجباتها، قد اتخذت نظام اللامركزية الإدارية في حدود الظروف الجغرافية والسياسية والاجتماعية التي تعيش في ظلها (3).
ويمكن تحديد مفهوم اللامركزية الإدارية بأنها توزيع الوظائف الإدارية للدولة بين الحكومة المركزية وبين هيئات محلية آو مصلحية لها شخصية معنوية مستقلة، ولكنها تعمل بإشراف ورقابة من الحكومة المركزية. وقد عبر عن هذا التعريف بوضوح الفقيه الفرنسي فالين عندما حدد النظام اللامركزي بأنه: "سحب وظائف من السلطة المركزية وإحالتها لسلطة مستقلة ذات اختصاص محدد سواء كان هذا الاختصاص إقليميا أو مصلحيا" (4).
وقد يتبادر إلى الذهن في أول الأمر، أن هناك تقابل بين اللامركزية الإدارية وعد التركيز الإداري. فهما يتقابلان فقط في الهدف المتمثل في وضع أسس إدارة القرب وتخفيف الأعباء عن المركز، لكنهما يختلفان اختلافا واضحا في الجوهر، حيث أن اللامركزية ترتكز على نقل اختصاصات من المركز إلى وحدات ترابية منتخبة بينما اللاتركيز الإداري فهو عبارة عن توزيع السلط فقط. أضيف إلى ذلك أن اللامركزية تعتمد على توزيع الاختصاصات. بينما اللاتركيز الإداري فيرتكز فقط على تفويض الاختصاص.
وتنقسم اللامركزية الإدارية إلى شكلين هما:
- اللامركزية المحلية أو الإقليمية وتتحقق بمنح إقليم من أقاليم الدولة الشخصية المعنوية والاستقلال المالي في مباشرة الاختصاصات الموكولة إليه عن طريق مجلس منتخب.
- اللامركزية المصلحية أو المرفقية وهي عبارة عن منح مرفق عام سواء كان وطنيا أو محليا الشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونه، وهذا الاستقلال غير مطلق بل مقيد بشرط الرقابة والوصاية من طرف السلطات المختصة، وينطبق بصفة خاصة على المؤسسات العمومية بمختلف أنواعها.
واللامركزية السياسية تعتبر نظاما دستوريا وسياسيا يتعلق بكيفية ممارسة الحكم في الدولة. ولذا فهي من موضوعات القانون الدستوري.وهي توجد حيث يوجد النظام الفيدرالي والذي يعتمد على منح الولايات اختصاصات واسعة قد تكون منصوص عليها في الدستور. وترتكز اللامركزية السياسية أساسا على أسلوب الولايات، حيث كل ولاية لها دستورها الخاص وتتمتع بحكومة محلية مصغرة ذات سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية. وذلك تحت سيادة الدولة الاتحادية التي لها دستور هو الدستور الاتحادي واختصاصات وصلاحيات الحكومة المركزية تتمثل فقط فيما هو محدد في الدستور الاتحادي وتدور حول ما هو عام للاتحاد المركزي من أمن ودفاع وسياسة خارجية واحدة وهوية وشخصية دولية واحدة. وأما ما عدا ذلك فهو يدخل ضمن اختصاصات ولاياتها التي تتشكل منها هذه الدولة، ولكل ولاية دستورها الخاص وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ولها حاكمها الخاص الذي هو بمثابة رئيس لهذه الدويلة، والعلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية تتحدد حسب الدستور الاتحادي والدساتير المحلية، وفي حالة ظهور أي تضارب في الصلاحيات بين آية ولاية والحكومة المركزية آو بين ولاية وولاية أخرى فان المحكمة الفيدرالية العليا هي التي تبت وتفصل في الأمر وحكمها فوق الجميع.
وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان الحكم الذاتي يدخل ضمن اللامركزية السياسية وهو ارقى من الجهوية واقل من الفيدرالية، والحكم الذاتي يقصد به: نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
إن الحكم الذاتي الداخلي هو نظام خاص تلجأ إليه السلطة السياسية في الدول التي لها مشاكل التعدد القومي والعرقي، فهو نظام لا يرتقي إلى درجة الفدرالية ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإقليمية، فهو صيغة للحكم والإدارة.
ومن أهم الأسباب التي تدعو الدولة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي الداخلي، هو وجود مخاطر وتهديدات مستمرة على حدودها الدولية،إذ يساير الفقهاء نفس الاتجاه وذلك حينما يؤكدون أن أساس الفكرة التي تدفع دولة معينة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي يهدف إلى درجة التوفيق بين الميول الوحدوية والتيارات الاستقلالية داخل الجماعات القومية والعرقية صاحبة الشأن.
----------------------------
المراجــــع:
(1) مصدر هذه المعلومات: مدخل لبحث نيل الإجازة في الحقوق بعنوان "مقومات التنظيم الجهوي بالمغرب" من جامعة القاضي عياض بمراكش سنة 1999 للطالب: عبدالله اجوك.
(2) هذا التعريف للدكتور فؤاد العطار مأخوذ من رسالة لنيل الدرجة العلمية من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر للأستاذ مسعود احمد مصطفى تحت عنوان "إقليم الدولة الإسلامية بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية"1988 ص:47.
(3) حسن محمد عواضة، الإدارة المحلية وتطبيقاتها في الدول المعاصرة، الطبعة الأولى 1983 ص:17.
(4) المصدر نفسه، ص:17.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا