مقدمة
تعتبر المؤسسة الملكية إحدى الركائز الأساسية للنظام السياسي المغربي حيث تستمد شرعيتها من تاريخها العريق و من بعدها الديني و الروحي ،هذا ما يفسر استمرارها كمؤسسة فاعلة تحتل مكانة محورية في النظام الدستوري المغربي و هو وضع كرسته جميع الدساتير التي عرفها تاريخ المغرب و آخرها الدستور المراجع لسنة 2011 .حيث ينص الفصل الأول منه على "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية،ديمقراطية برلمانية و اجتماعية...".
إذن فماهو التابث و المتحول فيما يخص اختصاصات الملك في الدستور الحالي سواء على مستوى حقل إمارة المؤمنين (الإختصاصات التقليدية) أو على مستوى حقل رئاسة الدولة ( الإختصاصات الحديثة) ؟
لمحاولة الإجابة على هذه الإشكالية سيتم تقديم هذا الموضوع في مبحثين:
في مبحث أول سوف نتناول الإختصاصات التقليدية للملك.
بينما يخصص المبحث الثاني للإختصاصات الحديثة.
والكل في إطار دراسة مقارنة بين هاته الإختصاصات في ظل دستوري 1996 و2011 .
المبحث الأول: الإختصاصات التقليدية للملك
حقل إمارة المؤمنين
تحيل الاختصاصات التقليدية للملك مباشرة على حقل امارة المؤمنين ، الحقل الذي يستمد منه الملك مشروعيته من البيعة {1 } التي تعني حسب ابن خلدون العهد على الطاعة ومن هذا المنظور تصبح لها وظيفة سياسية هي شرعنة احتكار السلطة.{ 2} هذه الممارسة التقليدية خلقت إشكالية في الممارسة السياسية داخل المجال التقليدي للملك ارتبطت بالفصل التاسع عشر، وأساسا بالمكانة التي كان يحتلها في الهندسة الدستورية، وبالتأويلات التي خضع لها في واقع الممارسة. فأمام إخضاع منطوق هذا الفصل لتأويل يجعل مقتضياته تخول للملكية صلاحيات واسعة ، جرى تكريس وجود دستورين، أحدهما «ضمني» والآخر «صريح»، وهذا الأمر أدى في الواقع العملي إلى جعل الملك فوق الدستور، ومكنه، بالتالي، في بعض الحالات من تعويض مؤسسات أخرى، بما فيها المؤسسة التشريعية، في مجال اختصاصاتها الدستورية الصريحة.
- مستجدات الحقل التقليدي في دستور 2011
الجديد في في دستور 2011 هو تقسيم الفصل 19 من دستور 96 المثير للجدل الى فصلين هما الفصل 41 والفصل 42، (الفصل 41) خصص لـ{الملك أمير المؤمنين} حيث يتوجب عليه أن يسهر على حماية الشريعة وعلى ضمان حرية إقامة الشعائر الدينية أما الثاني (الفصل 42) فقد أفرد ل{الملك رئيس الدولة}، أو {الملك الدستوري}. فالصفة الأولى تجعله منه «حامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية}، و{رئيس المجلس العلمي الأعلى}، وبصفة عامة احتكار كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، كما يفهم أيضا من منطوق هذا الفصل تخصيصه بالفتوى اعتمادا على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والمعتمدة من الدولة رسميا، وهو ما يُغلق الباب أمام فوضى الإفتاء. لكن السؤال المطروح هو ما العمل في المسائل التي تتصل بالدين الإسلامي التي لا تعرض على نظر المجلس العلمي الأعلى؟ حسب الدكتور مصطفى منار{3} هذا الفصل يطرح إشكالا يتعلق بطبيعة الاختصاصات التي يمارسها الملك بواسطة الظهائر، وهل تقتصر على التدبير أم تتعداه إلى التشريع؟، من المهم الإشارة هنا إلى أن الملك أكد في خطابه الذي أعلن فيه عن مضامين مشروع الدستور أن التشريع هو مجال خاص بالبرلمان، وإذا كان الأمر كذلك فإن الملك يقتضي ألا يُشرع في المجال الديني، وإلا عليه أن يشرك نواب الأمة في هذه المسألة.
أما الفصل 42 فيخوله أن يكون {الممثل الأسمى للدولة، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساته}، فضلا عن {السهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة}
ومن المستجدات أيضا اعادة النظر في الوضعية السابقة التي كانت تجعل من الملك، وليس البرلمان، هو «الممثل الأسمى للأمة». إذ علاوة على أن الفصل 42 من الدستور الجديد قد جعل من {الملك ممثلا أسمى للدولة}، وليس للأمة، فقد تعزز هذا المنحى من خلال تأكيد الفصل الثاني من نفس الدستور على أن {السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها}
إن القول: الملك أمير المؤمنين والقول، في الفصل المواليء الفصل 42 «الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها..» قول يعني التأكيد، من جهة أولى، على المبدأ العام المؤسس الوارد في الديباجة أو التصدير{4} (وفي المشروع الحالي يعتبر التصدير للدستور جزأ لايتجزأ من الدستور) وهو أن «المملكة المغربية دولة إسلامية» تلتزم في جملة ما تلتزم به ب: «تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية كما أنه قول يفيد، من جهة ثانية (من حيث منطوق الفصل {42} الآصرة أو الرابطة بين الأمة وبين الدولة (= المغربية) ومن ثم الحضور الرمزي للمجلس العلمي الأعلى (من خلال ممثله) في كل من المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.5
- هل يمكن القول بأن هذه التعديلات قطعت مع الازدواجية الدستورية؟
الفصل التاسع عشر السابق أعطى للملك مهاما وصلاحيات بناء على تأويل معين للدستور لجأت إليه الملكية في ظروف معينة، أما في ظل الدستور الجديد فهناك تنصيص صريح على أن الفصلين 41 و42 يمنحان للملك صلاحيات ومهام فعلية.6 فالأول ينص صراحة على أنه «يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر»، مما يعني أن الملك قد أضحى محتكرا بنص الدستور للحقل الديني بما في ذلك صلاحية التشريع في هذا المجال.
أما الثاني، فيشير هو كذلك إلى أنه «يمارس الملك هذه المهام (المقصود المهام التي يعددها هذا الفصل في الفقرة الأولى منه)، بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور.
إذن يمكن القول أن دستور 2011 عندما يؤكد على أن {الملك يمارس هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور} لم يحمل جديدا على هذا المستوى مع العلم أن نفس هذا التأكيد كان موجودا في الدستور السابق، وبالضبط في الفصل 29 منه، الذي كان يشير هو الآخر إلى أنه {يمارس الملك بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور}، دون أن يمنع ذلك الملك من توظيف الفصل التاسع عشر في الاتجاه الذي حوله إلى ما يشبه «دستور فوق الدستور
أيضا الدستور الجديد ترك بعض البياضات التي لا يستبعد معها اللجوء إلى تأويل للفصلين المذكورين في الاتجاه الذي يسمح للملك بملئها.7 إذ ليس هناك ما قد يمنع من اعتماد تأويل معين للفصل 42، وبصفة خاصة الفقرة التي تجعل الملك «ضامنا لدوام الدولة واستمرارها..» من أجل تبرير ممارسة الملك لهذا الاختصاص.
المبحث الثاني: الإختصاصات الحديثة للملك
حقل رئاسة الدولة
يقصد بالإختصاصات الحديثة تلك الإختصاصات العصرية المتعلقة بمهام الملك بصفته أعلى سلطة في الدولة و هي المدسترة و المحددة بشكل واضح في الوثيقة الدستورية و يمكن إدراجها إجمالا على الشكل التالي مع مراعاة ذكرها بحسب ظهورها في فصول دستور 29 يوليوز 2011:
1/ إمكانية تعيين الملك في حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا ( الفصل 43).
** هذا الأمر كان منصوصا عليه بنفس الطريقة في دستور 1996 (ألفصل 20).
حيث أن التقليد السلطاني المغربي القديم يتمثل في تولية العرش تلقائيا بعد وفاة الملك للولد الذكر الأكبر سنا ماعدا إذا عين الملك قيد حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا.
2/ تعيين عشر شخصيات في مجلس الوصاية (الفصل 44).
** إختصاص لم يطرأعليه تغيير حيث ورد في الفصل 21 من دستور 1996 و ذلك نظرا لمكانة مجلس الوصاية في ممارسة مهام العرش باستثناء ما يتعلق بمراجعة الدستور.
3/ تعيين رئيس الحكومة،كما يعين باقي أعضاءها باقتراح من رئيس الحكومة وله أن يعفيهم من مهامهم بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة (الفصل 47).
** بالمقارنة مع الفصل 24 من دستور 1996 يتأكد على أن صلاحية الملك في تعيين رئيس الحكومة لم تعد مطلقة كما كان عليه الحال في التجارب الدستورية السابقة بل أصبحت مقيدة بمنح هذا المنصب من الحزب الذي تصدرنتائج الإنتخابات.
4/ رئاسة المجلس الوزاري (الفصل 48).
** تجدر الإشارة إلى أنه مقارنة بدستور 1996 فإن رئيس الحكومة أصبح بإمكانه ترأس أشغال المجلس الوزاري بتفويض من الملك بناء على جدول أعمال محدد كما أن طلب إنعقاد هذا المجلس أصبح من حق رئيس الحكومة إلى جانب الملك و هو ما لم يكن منصوصا عليه في الفصل 25 من دستور 1996.
5/ إصدار الأمر بتنفيذ القوانين (الفصل 50).
**هذا الإختصاص كان منصوصا عليه في الفصل 26 من دستور 1996 حيث يحيل إصدار التشريع إلى قيام الملك بتوجيه خطاب إلى السلطة التنفيذية كل فيما يخصه لتنفيذ القانون الذي صادق عليه نظرا لعدم أحقية السلطة التشريعية بتوجيه مثل هذا الخطاب احتراما لمبدأ الفصل بين السلط..
6/ حق حل البرلمان أو أحد مجلسيه (الفصل 51).
**نص الفصلان 27 و 71 من دستور 1996 على نفس الإختصاص لكن الجديد في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 هو أنها حددت انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف شهرين من تاريخ حله ،لكن إذا وقع حل أحد المجلسين فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على إنتخابه.
7/ مخاطبة الأمة و البرلمان(الفصل 52).
**و قد نص الفصل 28 من دستور 1996 على نفس الإختصاص.
8/ رئاسة القوات المسلحة الملكية (الفصل 53).
** و على غرار التجارب الدستورية التي عرفها المغرب و خاصة الفصل 30 من دستور 1996 كرست الوثيقة الجديدة لسنة 2011 القيادة العليا للملك للمؤسسة العسكرية.
9/ حق التعيين في الوظائف المدنية و العسكرية (الفصل 53).
**و هو اختصاص لم يطرأ عليه تغيير حيث ورد في الفصل 30 الفقرة الثانية من دستور 1996.
10/ رئاسة المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54).
** و هو اختصاص جديد يتعلق بهيئة دستورية تشاورية جديدة.
11/ اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية و المنظمات الدولية ولديه يعتمد السفراء و ممثلو المنظمات الدولية (الفصل 55 فقرة 1).
** و هو اختصاص حوفظ عليه كما ورد في الفصل 31 من دستور 1996 .
12/ توقيع المعاهدات الدولية و المصادقة عليها (الفصل 55ء2)
**هذا الإختصاص بقي تابثا منذ الفصل 31 فقرة 2و3 من دستور 1996 لكن يمكن القول أنه اختصاص نظري فقط لأنه عمليا يقوم الملك بتفويض سلطة التوقيع و المصادقة على المعاهدات الدولية إلى رئيس الحكومة أوسلطة وزارية خاصة وزير الخارجية.
13/ رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)
**و هو اختصاص مشابه لذلك المنصوص عليه في الفصل 32 من دستور 1996 حيث كان الملك يرأس المجلس الأعلى للقضاء.
و في هذا الإطارانتقلت عملية تعيين القضاة من سلطة بيد الملك في الفصل 33 من دستور 1996 إلى مجرد موافقة على التعيين الذي يقوم به المجلس.
14/ ممارسة حق العفو (الفصل 58).
**حافظ الملك على حق ممارسة العفو كما كان منصوصا عليه في الفصل 34 من دستور 1996 و ذلك باعتباره في آن واحد أميرا للمؤمنين و رئيسا للدولة و هو يتمتع في ذلك باختصاص واسع وسلطة تقديرية كبيرة.
15/ الإعلان عن حالة الإستثناء (الفصل 59).
** أعطت جميع الدساتير السابقة و آخرها الفصل 35 من دستور 1996 سلطات واسعة للملك في حالة الإستثناء لكي يتمكن من مواجهة أوضاع غير عادية قد تهدد أمن الدولة و سلامة البلاد.
خاتمة
من خلال هذا الجرد لإختصاصات الملك في ظل الدستور المراجع لسنة 2011 و مقارنته بدستور 1996 يتضح جليا المكانة المتميزة للمؤسسة الملكية حيث يتولى الملك اختصاصات واسعة فتتنوع لتشمل مختلف المجالات التشريعية و التنفيذية و القضائية باعتباره أسمى سلطة في البلاد.
لائحة المراجع المعتمدة
1/ دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
2/ دستور المملكة المغربية لسنة 1996.
3/ ذ محمد لعرج ،"القانون الإداري المغربي"، منشورات REMALD ،الرباط 2011.
4/ عمر بندورو "النظام السياسي المغربي "،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الأولى ،الدار البيضاء 2002.
5/ ذ مصطفى قلوش"النظام الدستوري المغربي *المؤسسة الملكية" ،بابل للطباعة و النشر ،الطبعة الأولى،الرباط 1997.
6/ محمد ضريف "النسق السياسي المغربي المعاصر"، منشورات افريقيا الشرق،الدار البيضاء 1991.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا