السياسات العمومية والرأسمال البشري
إشكالية مقاومة التغيير
من إعداد: أنوار حسباوي
مقدمة:
يرتبط المسار التنموي للبلدان بمدى نجاعة تنفيذ السياسات العمومية المتبعة في جميع المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية…إلخ. ومن المعلوم أن تنفيذ السياسات العمومية يتطلب شروطا قبلية كتوفير الإمكانيات المالية و المادية و كذا البشرية الضرورية التي لها ارتباط وثيق بالمالية العمومية للدولة، إلا أن تحقيق الشروط القبلية لا يؤدي حتما إلى تحقيق الأهداف المتوخاة من السياسة العمومية، حيث أن كل إخفاق على مستوى النتائج المرجوة من شأنه أن يشكل هدرا هائلا للموارد العمومية و تكلفة تتحملها أجيال متتالية، فضلا عن حالة الغليان و الاحتقان السياسي و الاجتماعي الذي يمكن أن يحدثه فشل أي سياسة عمومية ما
إن تحقيق المبتغى يتوقف بالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه، على توظيف أمثل لكل الإمكانيات المرصودة لكي تساهم في مسار التنمية بشكل عام و تعزز روح الثقة لدى المواطن و تحقق كذلك الرفاه الاجتماعي للأجيال القادمة بشكل خاص. تبعا لذلك ينبغي التفكير في الطرق القمينة بإنجاح السياسات العمومية. و بعيدا عن التطاحنات السياسية التي يمكن أن يحدثها فشل السياسات العمومية و على افتراض جدوى و أهمية هذه الأخيرة لابد من الإشارة إلى أن أسباب الفشل متنوعة: قصور التقييم القبلي للإشكالية العمومية أو خلل في المنهجية المتبعة في مرحلة التنفيذ أو بروز مستجدات تبعثر المسار العادي للسياسة العمومية، غير أن أهم عامل يتحكم بشكل كبير في نجاح أو فشل أي عمل حكومي يتثمل في موقف الفئة المستهدفة من السياسة العمومية و عدم تجاوبها مع فلسفة و توجه البرنامج الجديد، حيث أن هذه الفئة تأخذ موقفا سلبيا و تحاول أن تقاوم كل تغيير قد يؤثر بشكل من الأشكال على الوضع الحالي[1]. و لكي نسلط الضوء على هذا المشكل البنوي ( الذي يمكن أن يصيب مقاولة خاصة أو منظمة غير حكومية أو اي تجمع للأفراد) سيتم في هذا المقال عرض أسباب مقاومة التغيير في مرحلة أولى، على أن يتم الانتقال فيما بعد إلى الخطوات الواجب اتباعها لتذويب هذه المقاومة و الرقي بسلوك الفرد.
المبحث الأول: أسباب مقاومة التغيير
حسب الباحثة فاينز (1986) فإن السلوك المقاوم للتغيير هو أمر بشري عادي يجب توقعه و يستحيل تفاديه، حتى و لو كان البرنامج الجديد في صالح الفئة المستهدفة، و بالتالي وجب على كل القائمين على إعداد و تنفيذ وتقييم السياسات العمومية استحضار هذا المعطى و اتخاذ الإجراءات الملائمة لمواجهة هذه المعضلة البنيوية. حسب علماء النفس، تعتبر مقاومة التغيير معطى مسلم به يجد تفسيره في سلوك الإنسان الذي يخشى كل تغيير و يخشى المجهول، و ما يمكنه أن يحدث في وضعه الحالي المعلوم, سواء كانت إدارة عمومية أو مقاولة خاصة. ذلك أن كل تغيير للتركيبة البنيوية أو لطريقة الاشتغال أو التنظيم الوظيفي لهيئة معينة يخلق حالة من الخوف و عدم الاطمئنان لدى الموظف أو المستخدم. في هذا الإطار يقر علماء التحليل النفسي ببديهية السلوك القائم على مقاومة التغيير و بكون كل رد فعل غير ذلك هو سلوك غير سوي، لأن الإنسان، في نظرهم، يحتاج إلى وقت من الزمن حتى يتمكن من التأقلم و فهم الوضع الجديد. حسب فاينز، يمكن لسوء البرمجة من طرف المسؤولين أن يؤدي إلى بروز سلوك مقاوم للتغيير، ذلك أن عدم العلم بمتطلبات المساعدين أو الموظفين عامة يمكن أن يخلق لديهم حالة من النفور و عدم الرضى اتجاه البرنامج أو السياسة .الجديدة
المبحث الثاني: ماهي الحلول الكفيلة لمقاومة التغيير؟
حسب روزابيت (2012)، مواجهة معضلة مقاومة التغيير تقتضي من المسؤولين على التغيير فهم سلوك مقاومة التغيير و معرفة مختلف مصادره و ترسيم استراتيجية دقيقة لكل مصدر. بالإضافة لذلك وجب منح الوقت للمعنيين بالنظام الجديد لفهمه و لتقييمه (فاينز 1986)، كما يجب عليهم الشروع في البحث و التقصي حول الأسباب الحقيقية التي تدفع المقاومين للتغيير إلى اتخاذ هذا السلوك لمدة طويلة، و نهج أسلوب التواصل و الحوار مع الفئة المستهدفة و تذويب المخاوف و تجاوز الرؤى التي تدفع إلى مقاومة التغيير، فمثلا بالنسبة لمقاولة خاصة وجب تنظيم ورشات عمل للتحاور و التواصل بين المسيرين و العمال بحضور وسطاء و خبراء مختصين في هذا المجال، لابد من الإشارة إلى أن الوقت المستثمر في هذه العملية لايعتبر هدرا بل عاملا يساعد على تحقيق الأهداف المرجوة على المدى المتوسط و البعيد كما سيمكن كذلك من فهم الديناميات الإجتماعية للفئة المستهدفة. كل تواصل بين المسيرين و العمال سيقوي روح الفريق الذي لامحالة ينعكس إيجابا على مردودية المقاولة ككل و يزيد من درجة رضى العمال على المناخ السائد داخل المقاولة.
ثاني الحلول التي تمكن من تقليص شدة مقاومة التغيير هي طريقة تقديم البرنامج أو النظام الجديد )وينباش، (1986 )) بشكل يذوب مخاوف الفئة المستهدفة، و ذلك عبر تقديم المعلومات الكافية حول النظام الجديد، و تقديم الشروحات اللازمة للأسباب و الدوافع وراء سنه، كما يجب خلق قنوات التواصل مع الموظفين و الإجابة على تساؤلاتهم و تبديد مخاوفهم. و في هذا الصدد يؤكد لوكس (1974) على ضرورة إشراك الموظفين في عملية التغيير مما يمكن من انخراط أكبر في تنفيذ السياسات أو البرامج الجديدة.
الحل الثالث يتمثل في ضرورة خلق المناخ الملائم لتحقيق التغيير المنشود عبر إيلاء الفرصة للموظفين لإبداء أراءهم و تقديم مقترحات حول التدبير اليومي، ذلك أن كل تدبير تشاركي من شأنه تسهيل عملية الانخراط في النظام الجديد.
ختاما يمكن أن نعتبر أن مقاومة التغيير هو سلوك طبيعي في الإنسان وجب على المسؤولين، سواء تعلق الأمر بمقاولة خاصة أو إدارة عمومية أو أي مجموعة أفراد يحاولون تحقيق أهداف محددة، إيلاء إشكالية تذويب مقاومة التغيير الاهتمام اللازم و اعتماد الحلول المناسبة مما يساعد على ترشيد و تحسين مردودية الموارد البشرية الموكولة لكل سياسة أو استراتيجية جديدة.
بعض المراجع المعتمدة
أياد محمود عبد الكريم الرحيم (2006)، التغيير التنظيمي وسيلة المنظمة للبقاء و التكيف، دراسة تطبيقية في شركات المنتجات النفطية، مجلة التقني، المجلد 20، عدد 2؛
Feldman, N, G., (1972), Pride in Heritage or resentement ?: A sociologist analyzes library staff reaction, Wilson Library Bulletin, pp. 436-440.
Fine, S. F. (1986). Technological Innovation, Diffusion and Resistance : Historical Perspective. Journal of Library Administration, pp., 83-108 ;
Henschel B., Hildreth J.,(2007), Implementong change in public agency : Applying a process to produce change in VDOT, Virginia Tech.
Lucas, H. C. (1974), Toward creative system design, New York, Columbia University Press ;
Sharon, B., (1989), Managing resistance to change, University of Iowa, Library Trends, 38, n°1, pp., 53-61 ;
Weinbach, R. W., (1984), implementing change : Insights and strategies for the supervisor, Social work, pp., 282-286.
Ten Reasons People Resist Change
Rosabeth Moss Kanter, (2012), Ten Reasons People Resist Change, Harvard Business School.
[1] فملدمان (1972) توصل عبر تجربة ميدانية الى تحديد بعض نماذج لسلوك مقاومة التغيير منها : تفادي المهام الموكولة للموظف و العنف المعلن أو الغير معلن تقديم الإستقالة او ضعف المردودية.