إشكاليات ومستجدات الطرد من بيت الزوجية
محمد الزماط
باحث بسلك الماستر كلية الشريعة فاس
مقدمة :
تعد الأسرة الخلية الأساسية لتكوين المجتمع، ولعل هذا ما يفسر الإهتمام الكبير الذي تحضى به على كافة المستويات، خاصة من جانب توفير كافة الضمانات لحمايتها، ومن تم حماية الأفراد المكونين لها وبالتالي حماية المجتمع.
ومما لا شك فيه أن الحياة الزوجية لا تخلو من المشاكل والنزاعات التي يمكن أن تتأجج ويصل الأمر بذلك إلى طرد أحدهما من بيت الزوجة – وتعتبر الزوجة هي الأكثر معرضة لهذا الخطر- الأمر الذي يستدعي تدخل من السلطات القضائية لاحتواء الموقف وتوفير الأمن للزوج المطرود مع الإتخاذ الإجراءات الفورية لإرجاعه إلى بيت الزوجية .
وارتباطا بالموضوع أعلاه فإن المادة 53 من م.أ باتت معضلة وشبه معطلة في الواقع العملي، وضمان تطبيقها يبقى نسبيا نظرا لوجود عدة عراقيل، وفي ظل البحث عن الحل الأنسب أدخل المشرع تعديلات وتتميمات على القانون الجنائي بمقتضى قانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء، الذي جاء في طياته مستجدات تهم الموضوع الذي بين أيدينا. وبالنظر إلى الواقع المعيوش تتأطر إشكالية جوهرية مفادها: إلى أي حد استطاع المشرع تحصين بيت الزوجية مع الدفع بكل المعيقات التي اعترت المادة 53 من مدونة الأسرة.
للتفصيل في هذه الإشكالية أكثر سنحاول إبراز مدى قصور مدونة الأسرة في حماية الزوج المطرود كـ (محورأول) ثم في (المحور الثاني) سنتحدث فيه عن مستجدات هذا الموضوع ورهانات تطبيقه في الواقع العملي.
المحور الاول : قصور مدونة الأسرة في حماية الزوج المطرود
رغم قساوة المشهد وألم الفعل قد حاول المشرع تطويق هاته العلاقة الزوجية بنوع من الحماية والتدخل من طرف النيابة العامة دون إضفاء على الفاعل أية عقوبة، وهو الشيء الذي نشهده في قضايا الطرد من بيت الزوجية، حيت أن القضاء الواقف دائما ما يتدخل في مثل هذه القضايا لإرجاع المطرود إلى بيت الزوجية كلما علم بذلك طبقا للمادة 53 من م.أ، ويعتبر هذا المقتضى من أهم المستجدات التي أتت به مدونة الأسرة لحماية المطرود، الذي أبان عند دخوله حيز التنفيد على عدة إشكالات لا على المستوى النص القانوني ( الفقرة الأولى ) أو على مستوى الواقع العملي ( الفقرة ثانية):
الفقرة الأولى : وجود إشكاليات على مستوى النص القانوني
كم هي حالات الطرد من بيت الزوجية عانت منها الزوجات التي كن تترددن على المحاكم لإرجاعهن إلى بيت الزوجية فكانت المسطرة تطول وتبقى الزوجة مشردة هي وأطفالها معرضين للضياع[1] إلا أن المشرع جاء بمستجدات لحماية الزوج المطرود بحيث نص في المادة 53 من م.أ على أنه إذا قام أحد بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من جل إرجاع المطرود إلى بيت لزوجية حالا مع اتخاذ الاجراءات الكفيلة بـأمنه وحمايته.
وتبعا لذلك تقوم النيابة العامة هنا بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، في إطار عملها الولائي الحمائي الذي أسنده لها المشرع، ويمكن لها أن تستعين بالشرطة القضائية الموضوعة تحت رهن تصرفها على أن تراعي في كل ذلك البوادر والتحركات لمصلحة الأسرة وأن لا يتم التسرع في اتخاذ إجراءات قد تزيد في توثر العلاقة، وتكون لها انعكاسات سيئة، وبالتالي فالنيابة العامة يجب أن تتدخل بحكمة وتعقل[2].
إلا أن المشرع استعمل كلمة "دون مبرر" وهي عبارة يشوبها نوع من الغموض وتطرح أكثر من تساؤل: فهل النيابة العامة لا تتدخل عند وجود مبرر لهذا الطرد أم لا ؟ وهل من المنطق أن يقوم الزوج بطرد الزوج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر ؟ ثم ما الجدوى من وجود قانون ينص على مسطرة الطلاق والتطليق ؟
إن قيام الزوج بإرادته المنفردة بإخراج الآخر من بيت الزوجية يكون غير مبرر ومنافي لإرادة المشرع ولروح التشريع؛ لأن السبب المبرر والمعقول والمنطقي هو الذي لا يكون مخالفا لأحكام المدونة ، وبالتالي ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ، يصعب قبول أي مبرر لطرد أحد الزوجين الآخر مادامت هناك قوانين يمكن الالتجاء إليها مثل الطلاق – والتطليق للشقاق[3].
هذا فضلا عن عدم التنصيص على الإجراءات و التدابير الكفيلة لحماية الزوج المطرود في حالة إرجاعه؛ لأن المسألة ليست بالهينة على ما يتضح من الواقع العملي المعيوش، حيث يكون إرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية، أكثر خطورة عليها من إخراجها[4]. بالإضافة إلى الإشكالات السابقة خلو نص المادة من ترتيب أي جزاء على الشخص الذي طرد الزوج الآخر من بيت الزوجية، أو امتنع عن إرجاعه ، الأمر الذي كان يهدد الزوجة في استقرارها ويجعلها معرضة للطرد من جديد.
الفقرة الثانية : إشكاليات تطبيق هذه المادة أثناء الممارسة والتطبيق:
بقدر ما يعتري المادة من إشكالات قانونية فإنه في الواقع العملي لا يقل عن ذلك بل الأمور تزداد إكراهات في ظل عدم وضوح النص المراد تطبيقه ، لأن التطبيق يحتاج إلى طريق واضح، وهو مالم نلمسه في هذه المادة 53 لا كتنافها مجموعة من الأمور غير المفهومة ، الأمر الذي باء بالفشل في حماية الزوج المطرود في الواقع المعيوش نتيجة عدة أسباب سواء من المرتكب أو جهاز النيابة أو من الزوج المطرود نفسه.
إن التطبيق السليم للمادة أعلاه رهين بحسن تطبيق مبدأ الملاءمة من طرف النيابة العامة وهي ملاءمة من نوع خاص وذات حساسية استثنائية لارتباطها بكيان الأسرة، إذ أن النيابة العامة عليها أن تتخذ الإجراء المناسب الذي من شأنه أن لا يعكر صفو العلاقة الأسرية والزوجية حتى لا تتفاقم المشاكل والمآسي بين الزوجين، ومن الناحية العملية فإن هذا التدخل قد تعوقه مجموعة من المعوقات لعل أهمها ندرة آليات التدخل، بل كيف تتعامل مع هذه المسألة وهي تتوفر فقط على جهاز الشرطة القضائية الذي يكون تدخله في غالب الأحيان في معالجة مثل هذه الحالات غير مجدي ومفضيا إلى نتائج عكسية خصوصا وأن هذا الجهاز لم يتلقى أي تكوين في قضايا الأسرة[5].
وليست مسألة حماية الزوج المطرود هي المسألة الوحيدة التي تثار في مسألة الطرد من بيت الزوجية بل أنه هناك حالات أخرى ترفع أمام القضاء وغالبا ما تسبق عمليات الطلاق التي يمارسها الزوج في الغالب ، وذلك لارغام الزوجة على الرجوع إلى البيت الذي طردها منه، ويمكن أن يستهدف طلب الزوج شيئين الرغبة الفعلية في رجوع الزوجة إلى بيتها أو تعليق أداء النفقة[6]، حيث جاء في هذا الصدد حكم صادر عن ابتدائية بالعيون[7] :
" حيث أن طلب المدعي يرمي إلى الحكم باسقاط نفقة المدعى عليها مع النفاذ المعجل والصائر. وحيث أجابت المدعى عليها بأنها لا تمانع في الرجوع لبيت الزوجية ، وأن المدعي هو من طردها منه وحرمها من حقوقها الشرعية ..
وحيث إنه ما دامت المدعى عليها بصفتها زوجة للمدعى قد حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت عن الرجوع إليه حسب محضر امتناع ونسخة الحكم المشار إليهما أعلاه، فإن ذلك يبرر الحكم بإسقاط نفقتها ابتداء من تاريخ الامتناع.
هذا فضلا عن الإشكالات الواقعية والتي يصطدم بها جهاز النيابة العامة هناك إشكالات أخرة تثار، كتهرب الزوجة من الرجوع بشكل احتيالي دون علم القضاء بذلك، أو أن يقوم الزوج بتغيير أقفال المنزل، أو استبدال منزل الكراء بواحد جديد ، هذه كلها عراقيل التي كانت تتخبط فيها المادة 53 من م.أ، التي جعلت المشرع يتدخل بطريقة أخرى من أجل تحصين هاته العلاقة بمقتضى قانون 103.13.
المحور الثاني : استجابة المشرع لتجريم الطرد من بيت الزوجية
إذا كان الطرد التعسفي واللامبرر هو مظهر من مظاهر العنف، فقد جاءت هذا المستجدات[8] في سياق الضمانات التي منحها المشرع لحماية حق كل من الزوجين من الاستفادة من بيت الزوجية، وهو مقتضى هام جدا نتيجة الفراغ التشريعي الذي كان يعتري مدونة الأسرة، والذي تم ملأه بمقتضى قانون 103.13 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء، إذا فإلى أي حد استطاع المشرع حماية المطرود من بيت الزوجة ؟ ( الفقرة الأولى ) وما هي رهانات تطبيقها في الواقع العملي ( الفقرة الثانية) :
الفقرة الأولى : الحماية الجنائية للزوج المطرود
لقد أضحى الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن ارجاع المطرود جريمة يعاقب عليها القانون بمقتضى الفصل 1-481 من القانون الجنائي المعدل والمتمم بقانون 103.13 حيت نص على " يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة وتضاعف العقوبة في حالة العود" من خلال قراءتنا لهذه المادة يتبين لنا أن الطرد من المسكن بأي وجه من الوجوه هو مساس بحق من الحقوق الأساسية للفرد، وهو حق السكن واعتداء على حياته الخاصة[9]، كما أن الامتناع عن ارجاع الزوج المطرود، سلوك أو فعل جرمي يدخل ضمن الجرائم المعاقب عليها قانونا بمقتضى الفصل 1-481 من القانون الجنائي، وبالتالي فالمشرع حاول تطويق الحياة الزوجية بنوع من الحماية الجنائية وتسييج العلاقة الأسرية حتى لا يدخلها أي فعل يمكن أن يمس بأمنها وسلامتها.
ومما تجب الإشارة إليه أنه في حالة العود وتكرار الفعل فإن العقوبة تضاعف وتشدد أكثر من الأولى على مرتكب الفعل، وفي ذلك إيماءة قوية إلى توفير أسباب الأمن القانوني للطرف الضعيف في العلاقة الزوجية.
والحال أن المشرع المغربي وقف في منتصف الطريق، حيث قام بردع الفاعل بعقوبات زجرية وجرم الطرد ثم الامتناع دون أن يوضح هذا الامتناع أو يعطي مثالا لذلك؛ لأن الامتناع قد يتخذ عدة صور يمكن أن يكون باستبدال قفل المنزل بآخر أو إذا كان في منزل الكراء يقوم بإنهاء العقد أو بالرفض المباشر، كما أن هذا الفصل أحالنا على المادة 53 من م. أ التي طالما كانت مملوءة بالمشاكل المعقدة والتساؤلات التي لا جواب لها والتي انعكست سلبا في الواقع العملي، حيث أن كلمة دون مبرر ما زالت معلقة في هذه المادة بدون توضيح، ناهيك عن ما رتبه المشرع من جزاءات غير كافية لتحقيق الأهداف المرجوة ولا يحقق حماية كاملة للزوج المطرود، إذ اكتفى القانون الجديد بالنظر في حالة الإمتناع من إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية دون الإلتفات إلى حماية الزوج المطرود بعد إرحاعه إلى البيت وأحالنا على المادة 53 من م.أ التي كما قلت سابقا ما زالت كما هي بكل إشكلاتها عالقة .
حتى يتم متابعة الشخص مرتكب الفعل سواء بسبب الطرد من بيت الزوجة أو الامتناع عن ارجاعه طبقا للمادة 53 من م.أ، أوجد المشرع وجود شكوى من الشخص المطرود من بيت الزوجية بدليل الفصل 480 من القانون الجنائي ، حيث نص في الفقرة الثانية على "لا يجوز رفع هذه الدعاوى إلا بناء على شكاية من الشخص المطرود من بيت الزوجية ..."
وارتباطا بالموضوع فإن عملية الطرد من بيت الزوجية قد تصاحبها بعض الأفعال التي تتمثل إما في السب والشتم أو الضرب والإعتداء وغير ذلك، لهذا يجب على النيابة العامة بعد تقديم الشكوى إليها إو في حالة التدخل من إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية أن تقف على كل حيتيات هذا الطرد حتى يتم معاقبته جراء أفعاله.
ويترتب عن تنازل المشتكي عن الدعوى طبقا للفصل 481 من ق.ج: "يضع حدا للمتابعة وللآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره "
وتبعا لذك فإذا كانت المطلقة رجعيا في حكم الزوجة ولها الحق في السكن بدليل المادة 131 فإن لها الحق في متابعة الزوج الذي قام بطردها، لكن يبقى السؤال المطروح هو إذا ما كانت المطلقة طلاقا بائنا حاملا والتي لها الحق في السكن طبقا للمادة 196 من م.أ، هل يخول لهما تقديم شكاية الطرد من بيت الزوجية قبل اتنهاء فترة العدة أم لا ؟
الفقرة الثانية : رهانات تطبيق هذه المادة في الواقع العملي
إن توفير الحماية اللازمة رهين بتطبيق هاته المستجدات على أرضية الواقع، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية حماية العلاقة الزوجية بعد معاقبة الجاني ؟ وما هي الحماية اللازمة للزوج المطرود من قبل شخص آخر ؟ ثم ما الجدوى من إحالتنا على المادة 53 بعد تعثرها لسنين طويلة ؟
أثناء حديثنا عن الإشكالات والعراقيل التي كانت تحيط بالمادة 53 من م.أ تطرقنا إلى الغموض الذي كان يعتري عبارة " دون مبرر"، والمشرع بإحالتنا على هذه المادة يكون قد أوقعنا في نفس الإكراهات من عدم وجود حماية كاملة للزوج المطرود بعد إرجاعه، ومن عدم وضوح هاته الأسباب المبررة التي تنص عليها المادة أعلاه، ناهيك عن ما إذا وجدت هاته الأسباب المبررة –أي التي تعد سببا مشروعا في نظر القانون - هل سيتابع مرتكب الفعل أم لا ؟؟
بالإضافة إلى ما هو مومأ إليه أعلاه فإن كثير من الأزواج يقدمون على الدفع -بغرض التهرب من النفقة- بزوجاتهم للخروج من بيت الزوجية وطردهن منه، فيسرعون إلى المحاكم لرفع دعاوي تخص الرجوع إلى بيت الزوجة لإعفائهم من واجبات النفقة بعد أن تمتنع الزوجة الرجوع جراء معاملة الزوح السيئة وغير ذلك من الاسباب التي تدفعها إلى عدم الرجوع، لهذا قبل القيام بأي إجراء من المحكمة في ما يخص النفقة لا بد من الوقوف على أهم الأسباب التي دفعت الزوجة لعدم رجوعها إلى البيت، هذا فضلا عن ما سيثيره من تساؤل في حالة إذا قامت الزوجة برفع شكاية حول طردها وقام الزوج الآخربرفع دعوى الرجوع وامتنعت عن ذلك ثم من جديد برفع دعوى إسقاط النفقة واستند في دعواه على محضر الامتناع، هل ستسقط المحكمة النفقة على الزوج باعتمادها فقط على محضر الامتناع ؟ أم أن الجنائي يعقل المدني ؟.
كما يعاب على هذا النص أنه اقتصر على الزوج والزوجة، ولم يقم بتوسيع دائرة الأشخاص، علما أن غالبية الأزواج في المغرب يقطنون مع والديهم، وبالتالي فالزوجة معرضة للطرد من أخ الزوج أو والديها أو غير ذلك.
وعموما إن هذه المستجدات لها رهان أكبر من مما سبق حيث أن العلاقة الزوجية تبقى هي المحور الرئيسي في هاته الحماية، وأمام العقوبات التي فرضها المشرع على الشخص الذي قام بالطرد قد يشكل تحديا كبيرا للقضاء في الحفاظ على العلاقة الأسرية ، لهذا كان ينبغي على المشرع أن يقوم على الأقل بالتنصيص على إلزامية مسطرة الصلح في هذه الحالة واللجوء إليها قبل أية متابعة جنائية حتى لا تتخد هذه المسطرة طرق أخرى التي من شـأنها كما قلت سابقا أن تفكك الأسرة برمتها.
وعليه يبقى السؤال المطروح هو مدى إمكانية نجاج العلاقة الزوجية في ظل هذه التحصينات الزجرية؟؟
خاتمة
إن ما تم التنصيص عليه من عقوبات زجرية في ظل العراقيل والاشكالات التي كانت تتخبط فيها المادة 53 من م. غير كاف لتجاوز الصعوبات العملية التي اكتنفت تطبيق مقتضيات المادة أعلاه وأن إيجاد الوسائل البديلة والكفيلة لحماية أمن و سلامة الزوج المطرود و تشديد العقوبة في حالة التعنت و معاودة نفس الفعل، كل كذلك قد يوفر أسباب الحماية للطرف الضعيف وزجر الطرف الظالم، إلا أن ذلك سيؤثر سلبا على تماسك الاسرة والاطفال ومن ثم استقرار المجتمع برمته، لهذا لا بد من تفعيل المقاربة الاجتماعية لايجاد حلول بديلة وناجعة لمعالجة المشاكل الاسرية من خلال إعتماد على مؤسسة الصلح وادماج الوساطةالأسرية[10]، قبل المسائلة الجنائية؛ لأن الحفاظ على بيوت الزوجية لا يمكن ان تشيده بالحبس أو بالقوة أو بالإكراه، بل بقانون ينسجم مع طبيعة وطقوس وأعراف الأزواج خاصة في البلدان العربية والإسلامية، التي قدمت الدليل للتاريخ من أن البيوت تقوم على الصبر والتسامح و الإنسجام والعطاء الروحي[11].
المصادر ولمراجع
الايام الدراسية حول مدونة الأسرة ، سلسلة الندوات واللقاءات والايام الدراسية ، وزارة العدل ، س 2004 ، ص 86-87.Ø دليل عملي لمدونة الأسرة ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل ، ع 1 ، س 2004 ، ص 47.Ø محمد الأزهر ، شرح مدونة الأسرة ، مطبعة دار الشنر المغربي عين سبع الدار البيضاء ، ط 6 ، س 2013 ، ص 24-25Ø إدريس الفاخوري ، دور النيابة العامة في المادة الأسرية ، مقال منشور بموقعhttp://cieersjo.com بتاريخ 29 يونيو 2017 .Ø محمد الكشبور ، الواضح في شرح مدونة الأسرة، م : النجاح الجديدة الدار البيضاء ، ط 3 ، س 2015 ، ج 1 ، ص 481.Ø الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء ؛ تطبيق قانون الاسرة ، المكتسبات والتحديات ، منشورات هيكزاكون 1437هـ/ 2006 م ، ص54.Ø قرار صادر عن محكمة الابتداية بالعيون ، بتاريخ 04-04-2007 ، الملف عدد 168-منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل ، العدد 10 ، سنة 2009 ، مطبعة إليت الحي الصناعي الزهراء ، الولجة سلا ، ج 1 ،ص 378.Ø مقال منشور بجريدة اخبار اليوم لعبد اللطيف بوعشرين تحت عنوان " الاعتقال ليس حلا " عدد 63220 بتاريخ 2018/09/25Ø القانون الجنائيØ دستور المملكة المغربيةØ مدونة الأسرة
[1] الايام الدراسية حول مدونة الأسرة ، سلسلة الندوات واللقاءات والايام الدراسية ، وزارة العدل ، س 2004 ، ص 86-87.[2] دليل عملي لمدونة الأسرة ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل ، ع 1 ، س 2004 ، ص 47.[3] محمد الأزهر ، شرح مدونة الأسرة ، مطبعة دار الشنر المغربي عين سبع الدار البيضاء ، ط 6 ، س 2013 ، ص 24-25[4] محمد الكشبور ، الواضح في شرح مدونة الأسرة، م : النجاح الجديدة الدار البيضاء ، ط 3 ، س 2015 ، ج 1 ، ص 481.[5] إدريس الفاخوري ، دور النيابة العامة في المادة الأسرية ، مقال منشور بموقع http://cieersjo.com بتاريخ 29 يونيو 2017 .[6] الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء ؛ تطبيق قانون الاسرة ، المكتسبات والتحديات ، منشورات هيكزاكون 1437هـ/ 2006 م ، ص54.[7] قرار صادر عن محكمة الابتداية بالعيون ، بتاريخ 04-04-2007 ، الملف عدد 168-06 – منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل ، العدد 10 ، سنة 2009 ، مطبعة إليت الحي الصناعي الزهراء ، الولجة سلا ، ج 1 ،ص 378.[8] قانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء[9][9] الفصل 24 من الدستور[10] اي شمول الصلح كل النزاعات المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة، ثم مأسسة آلية الوساطة واعتبارها مرحلة غير قضائية الزامية قبل اللجوء إلى المرحلة القضائية أخدا بأفضل التجارب الدولية في هذا المجال.[11] مقال منشور بجريدة اخبار اليوم لعبد اللطيف بوعشرين تحت عنوان " الاعتقال ليس حلا " عدد 6320 بتاريخ 2018/09/25.
مقدمة :
تعد الأسرة الخلية الأساسية لتكوين المجتمع، ولعل هذا ما يفسر الإهتمام الكبير الذي تحضى به على كافة المستويات، خاصة من جانب توفير كافة الضمانات لحمايتها، ومن تم حماية الأفراد المكونين لها وبالتالي حماية المجتمع.
ومما لا شك فيه أن الحياة الزوجية لا تخلو من المشاكل والنزاعات التي يمكن أن تتأجج ويصل الأمر بذلك إلى طرد أحدهما من بيت الزوجة – وتعتبر الزوجة هي الأكثر معرضة لهذا الخطر- الأمر الذي يستدعي تدخل من السلطات القضائية لاحتواء الموقف وتوفير الأمن للزوج المطرود مع الإتخاذ الإجراءات الفورية لإرجاعه إلى بيت الزوجية .
وارتباطا بالموضوع أعلاه فإن المادة 53 من م.أ باتت معضلة وشبه معطلة في الواقع العملي، وضمان تطبيقها يبقى نسبيا نظرا لوجود عدة عراقيل، وفي ظل البحث عن الحل الأنسب أدخل المشرع تعديلات وتتميمات على القانون الجنائي بمقتضى قانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء، الذي جاء في طياته مستجدات تهم الموضوع الذي بين أيدينا. وبالنظر إلى الواقع المعيوش تتأطر إشكالية جوهرية مفادها: إلى أي حد استطاع المشرع تحصين بيت الزوجية مع الدفع بكل المعيقات التي اعترت المادة 53 من مدونة الأسرة.
للتفصيل في هذه الإشكالية أكثر سنحاول إبراز مدى قصور مدونة الأسرة في حماية الزوج المطرود كـ (محورأول) ثم في (المحور الثاني) سنتحدث فيه عن مستجدات هذا الموضوع ورهانات تطبيقه في الواقع العملي.
المحور الاول : قصور مدونة الأسرة في حماية الزوج المطرود
رغم قساوة المشهد وألم الفعل قد حاول المشرع تطويق هاته العلاقة الزوجية بنوع من الحماية والتدخل من طرف النيابة العامة دون إضفاء على الفاعل أية عقوبة، وهو الشيء الذي نشهده في قضايا الطرد من بيت الزوجية، حيت أن القضاء الواقف دائما ما يتدخل في مثل هذه القضايا لإرجاع المطرود إلى بيت الزوجية كلما علم بذلك طبقا للمادة 53 من م.أ، ويعتبر هذا المقتضى من أهم المستجدات التي أتت به مدونة الأسرة لحماية المطرود، الذي أبان عند دخوله حيز التنفيد على عدة إشكالات لا على المستوى النص القانوني ( الفقرة الأولى ) أو على مستوى الواقع العملي ( الفقرة ثانية):
الفقرة الأولى : وجود إشكاليات على مستوى النص القانوني
كم هي حالات الطرد من بيت الزوجية عانت منها الزوجات التي كن تترددن على المحاكم لإرجاعهن إلى بيت الزوجية فكانت المسطرة تطول وتبقى الزوجة مشردة هي وأطفالها معرضين للضياع[1] إلا أن المشرع جاء بمستجدات لحماية الزوج المطرود بحيث نص في المادة 53 من م.أ على أنه إذا قام أحد بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من جل إرجاع المطرود إلى بيت لزوجية حالا مع اتخاذ الاجراءات الكفيلة بـأمنه وحمايته.
وتبعا لذلك تقوم النيابة العامة هنا بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، في إطار عملها الولائي الحمائي الذي أسنده لها المشرع، ويمكن لها أن تستعين بالشرطة القضائية الموضوعة تحت رهن تصرفها على أن تراعي في كل ذلك البوادر والتحركات لمصلحة الأسرة وأن لا يتم التسرع في اتخاذ إجراءات قد تزيد في توثر العلاقة، وتكون لها انعكاسات سيئة، وبالتالي فالنيابة العامة يجب أن تتدخل بحكمة وتعقل[2].
إلا أن المشرع استعمل كلمة "دون مبرر" وهي عبارة يشوبها نوع من الغموض وتطرح أكثر من تساؤل: فهل النيابة العامة لا تتدخل عند وجود مبرر لهذا الطرد أم لا ؟ وهل من المنطق أن يقوم الزوج بطرد الزوج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر ؟ ثم ما الجدوى من وجود قانون ينص على مسطرة الطلاق والتطليق ؟
إن قيام الزوج بإرادته المنفردة بإخراج الآخر من بيت الزوجية يكون غير مبرر ومنافي لإرادة المشرع ولروح التشريع؛ لأن السبب المبرر والمعقول والمنطقي هو الذي لا يكون مخالفا لأحكام المدونة ، وبالتالي ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ، يصعب قبول أي مبرر لطرد أحد الزوجين الآخر مادامت هناك قوانين يمكن الالتجاء إليها مثل الطلاق – والتطليق للشقاق[3].
هذا فضلا عن عدم التنصيص على الإجراءات و التدابير الكفيلة لحماية الزوج المطرود في حالة إرجاعه؛ لأن المسألة ليست بالهينة على ما يتضح من الواقع العملي المعيوش، حيث يكون إرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية، أكثر خطورة عليها من إخراجها[4]. بالإضافة إلى الإشكالات السابقة خلو نص المادة من ترتيب أي جزاء على الشخص الذي طرد الزوج الآخر من بيت الزوجية، أو امتنع عن إرجاعه ، الأمر الذي كان يهدد الزوجة في استقرارها ويجعلها معرضة للطرد من جديد.
الفقرة الثانية : إشكاليات تطبيق هذه المادة أثناء الممارسة والتطبيق:
بقدر ما يعتري المادة من إشكالات قانونية فإنه في الواقع العملي لا يقل عن ذلك بل الأمور تزداد إكراهات في ظل عدم وضوح النص المراد تطبيقه ، لأن التطبيق يحتاج إلى طريق واضح، وهو مالم نلمسه في هذه المادة 53 لا كتنافها مجموعة من الأمور غير المفهومة ، الأمر الذي باء بالفشل في حماية الزوج المطرود في الواقع المعيوش نتيجة عدة أسباب سواء من المرتكب أو جهاز النيابة أو من الزوج المطرود نفسه.
إن التطبيق السليم للمادة أعلاه رهين بحسن تطبيق مبدأ الملاءمة من طرف النيابة العامة وهي ملاءمة من نوع خاص وذات حساسية استثنائية لارتباطها بكيان الأسرة، إذ أن النيابة العامة عليها أن تتخذ الإجراء المناسب الذي من شأنه أن لا يعكر صفو العلاقة الأسرية والزوجية حتى لا تتفاقم المشاكل والمآسي بين الزوجين، ومن الناحية العملية فإن هذا التدخل قد تعوقه مجموعة من المعوقات لعل أهمها ندرة آليات التدخل، بل كيف تتعامل مع هذه المسألة وهي تتوفر فقط على جهاز الشرطة القضائية الذي يكون تدخله في غالب الأحيان في معالجة مثل هذه الحالات غير مجدي ومفضيا إلى نتائج عكسية خصوصا وأن هذا الجهاز لم يتلقى أي تكوين في قضايا الأسرة[5].
وليست مسألة حماية الزوج المطرود هي المسألة الوحيدة التي تثار في مسألة الطرد من بيت الزوجية بل أنه هناك حالات أخرى ترفع أمام القضاء وغالبا ما تسبق عمليات الطلاق التي يمارسها الزوج في الغالب ، وذلك لارغام الزوجة على الرجوع إلى البيت الذي طردها منه، ويمكن أن يستهدف طلب الزوج شيئين الرغبة الفعلية في رجوع الزوجة إلى بيتها أو تعليق أداء النفقة[6]، حيث جاء في هذا الصدد حكم صادر عن ابتدائية بالعيون[7] :
" حيث أن طلب المدعي يرمي إلى الحكم باسقاط نفقة المدعى عليها مع النفاذ المعجل والصائر. وحيث أجابت المدعى عليها بأنها لا تمانع في الرجوع لبيت الزوجية ، وأن المدعي هو من طردها منه وحرمها من حقوقها الشرعية ..
وحيث إنه ما دامت المدعى عليها بصفتها زوجة للمدعى قد حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت عن الرجوع إليه حسب محضر امتناع ونسخة الحكم المشار إليهما أعلاه، فإن ذلك يبرر الحكم بإسقاط نفقتها ابتداء من تاريخ الامتناع.
هذا فضلا عن الإشكالات الواقعية والتي يصطدم بها جهاز النيابة العامة هناك إشكالات أخرة تثار، كتهرب الزوجة من الرجوع بشكل احتيالي دون علم القضاء بذلك، أو أن يقوم الزوج بتغيير أقفال المنزل، أو استبدال منزل الكراء بواحد جديد ، هذه كلها عراقيل التي كانت تتخبط فيها المادة 53 من م.أ، التي جعلت المشرع يتدخل بطريقة أخرى من أجل تحصين هاته العلاقة بمقتضى قانون 103.13.
المحور الثاني : استجابة المشرع لتجريم الطرد من بيت الزوجية
إذا كان الطرد التعسفي واللامبرر هو مظهر من مظاهر العنف، فقد جاءت هذا المستجدات[8] في سياق الضمانات التي منحها المشرع لحماية حق كل من الزوجين من الاستفادة من بيت الزوجية، وهو مقتضى هام جدا نتيجة الفراغ التشريعي الذي كان يعتري مدونة الأسرة، والذي تم ملأه بمقتضى قانون 103.13 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء، إذا فإلى أي حد استطاع المشرع حماية المطرود من بيت الزوجة ؟ ( الفقرة الأولى ) وما هي رهانات تطبيقها في الواقع العملي ( الفقرة الثانية) :
الفقرة الأولى : الحماية الجنائية للزوج المطرود
لقد أضحى الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن ارجاع المطرود جريمة يعاقب عليها القانون بمقتضى الفصل 1-481 من القانون الجنائي المعدل والمتمم بقانون 103.13 حيت نص على " يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة وتضاعف العقوبة في حالة العود" من خلال قراءتنا لهذه المادة يتبين لنا أن الطرد من المسكن بأي وجه من الوجوه هو مساس بحق من الحقوق الأساسية للفرد، وهو حق السكن واعتداء على حياته الخاصة[9]، كما أن الامتناع عن ارجاع الزوج المطرود، سلوك أو فعل جرمي يدخل ضمن الجرائم المعاقب عليها قانونا بمقتضى الفصل 1-481 من القانون الجنائي، وبالتالي فالمشرع حاول تطويق الحياة الزوجية بنوع من الحماية الجنائية وتسييج العلاقة الأسرية حتى لا يدخلها أي فعل يمكن أن يمس بأمنها وسلامتها.
ومما تجب الإشارة إليه أنه في حالة العود وتكرار الفعل فإن العقوبة تضاعف وتشدد أكثر من الأولى على مرتكب الفعل، وفي ذلك إيماءة قوية إلى توفير أسباب الأمن القانوني للطرف الضعيف في العلاقة الزوجية.
والحال أن المشرع المغربي وقف في منتصف الطريق، حيث قام بردع الفاعل بعقوبات زجرية وجرم الطرد ثم الامتناع دون أن يوضح هذا الامتناع أو يعطي مثالا لذلك؛ لأن الامتناع قد يتخذ عدة صور يمكن أن يكون باستبدال قفل المنزل بآخر أو إذا كان في منزل الكراء يقوم بإنهاء العقد أو بالرفض المباشر، كما أن هذا الفصل أحالنا على المادة 53 من م. أ التي طالما كانت مملوءة بالمشاكل المعقدة والتساؤلات التي لا جواب لها والتي انعكست سلبا في الواقع العملي، حيث أن كلمة دون مبرر ما زالت معلقة في هذه المادة بدون توضيح، ناهيك عن ما رتبه المشرع من جزاءات غير كافية لتحقيق الأهداف المرجوة ولا يحقق حماية كاملة للزوج المطرود، إذ اكتفى القانون الجديد بالنظر في حالة الإمتناع من إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية دون الإلتفات إلى حماية الزوج المطرود بعد إرحاعه إلى البيت وأحالنا على المادة 53 من م.أ التي كما قلت سابقا ما زالت كما هي بكل إشكلاتها عالقة .
حتى يتم متابعة الشخص مرتكب الفعل سواء بسبب الطرد من بيت الزوجة أو الامتناع عن ارجاعه طبقا للمادة 53 من م.أ، أوجد المشرع وجود شكوى من الشخص المطرود من بيت الزوجية بدليل الفصل 480 من القانون الجنائي ، حيث نص في الفقرة الثانية على "لا يجوز رفع هذه الدعاوى إلا بناء على شكاية من الشخص المطرود من بيت الزوجية ..."
وارتباطا بالموضوع فإن عملية الطرد من بيت الزوجية قد تصاحبها بعض الأفعال التي تتمثل إما في السب والشتم أو الضرب والإعتداء وغير ذلك، لهذا يجب على النيابة العامة بعد تقديم الشكوى إليها إو في حالة التدخل من إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية أن تقف على كل حيتيات هذا الطرد حتى يتم معاقبته جراء أفعاله.
ويترتب عن تنازل المشتكي عن الدعوى طبقا للفصل 481 من ق.ج: "يضع حدا للمتابعة وللآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره "
وتبعا لذك فإذا كانت المطلقة رجعيا في حكم الزوجة ولها الحق في السكن بدليل المادة 131 فإن لها الحق في متابعة الزوج الذي قام بطردها، لكن يبقى السؤال المطروح هو إذا ما كانت المطلقة طلاقا بائنا حاملا والتي لها الحق في السكن طبقا للمادة 196 من م.أ، هل يخول لهما تقديم شكاية الطرد من بيت الزوجية قبل اتنهاء فترة العدة أم لا ؟
الفقرة الثانية : رهانات تطبيق هذه المادة في الواقع العملي
إن توفير الحماية اللازمة رهين بتطبيق هاته المستجدات على أرضية الواقع، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية حماية العلاقة الزوجية بعد معاقبة الجاني ؟ وما هي الحماية اللازمة للزوج المطرود من قبل شخص آخر ؟ ثم ما الجدوى من إحالتنا على المادة 53 بعد تعثرها لسنين طويلة ؟
أثناء حديثنا عن الإشكالات والعراقيل التي كانت تحيط بالمادة 53 من م.أ تطرقنا إلى الغموض الذي كان يعتري عبارة " دون مبرر"، والمشرع بإحالتنا على هذه المادة يكون قد أوقعنا في نفس الإكراهات من عدم وجود حماية كاملة للزوج المطرود بعد إرجاعه، ومن عدم وضوح هاته الأسباب المبررة التي تنص عليها المادة أعلاه، ناهيك عن ما إذا وجدت هاته الأسباب المبررة –أي التي تعد سببا مشروعا في نظر القانون - هل سيتابع مرتكب الفعل أم لا ؟؟
بالإضافة إلى ما هو مومأ إليه أعلاه فإن كثير من الأزواج يقدمون على الدفع -بغرض التهرب من النفقة- بزوجاتهم للخروج من بيت الزوجية وطردهن منه، فيسرعون إلى المحاكم لرفع دعاوي تخص الرجوع إلى بيت الزوجة لإعفائهم من واجبات النفقة بعد أن تمتنع الزوجة الرجوع جراء معاملة الزوح السيئة وغير ذلك من الاسباب التي تدفعها إلى عدم الرجوع، لهذا قبل القيام بأي إجراء من المحكمة في ما يخص النفقة لا بد من الوقوف على أهم الأسباب التي دفعت الزوجة لعدم رجوعها إلى البيت، هذا فضلا عن ما سيثيره من تساؤل في حالة إذا قامت الزوجة برفع شكاية حول طردها وقام الزوج الآخربرفع دعوى الرجوع وامتنعت عن ذلك ثم من جديد برفع دعوى إسقاط النفقة واستند في دعواه على محضر الامتناع، هل ستسقط المحكمة النفقة على الزوج باعتمادها فقط على محضر الامتناع ؟ أم أن الجنائي يعقل المدني ؟.
كما يعاب على هذا النص أنه اقتصر على الزوج والزوجة، ولم يقم بتوسيع دائرة الأشخاص، علما أن غالبية الأزواج في المغرب يقطنون مع والديهم، وبالتالي فالزوجة معرضة للطرد من أخ الزوج أو والديها أو غير ذلك.
وعموما إن هذه المستجدات لها رهان أكبر من مما سبق حيث أن العلاقة الزوجية تبقى هي المحور الرئيسي في هاته الحماية، وأمام العقوبات التي فرضها المشرع على الشخص الذي قام بالطرد قد يشكل تحديا كبيرا للقضاء في الحفاظ على العلاقة الأسرية ، لهذا كان ينبغي على المشرع أن يقوم على الأقل بالتنصيص على إلزامية مسطرة الصلح في هذه الحالة واللجوء إليها قبل أية متابعة جنائية حتى لا تتخد هذه المسطرة طرق أخرى التي من شـأنها كما قلت سابقا أن تفكك الأسرة برمتها.
وعليه يبقى السؤال المطروح هو مدى إمكانية نجاج العلاقة الزوجية في ظل هذه التحصينات الزجرية؟؟
خاتمة
إن ما تم التنصيص عليه من عقوبات زجرية في ظل العراقيل والاشكالات التي كانت تتخبط فيها المادة 53 من م. غير كاف لتجاوز الصعوبات العملية التي اكتنفت تطبيق مقتضيات المادة أعلاه وأن إيجاد الوسائل البديلة والكفيلة لحماية أمن و سلامة الزوج المطرود و تشديد العقوبة في حالة التعنت و معاودة نفس الفعل، كل كذلك قد يوفر أسباب الحماية للطرف الضعيف وزجر الطرف الظالم، إلا أن ذلك سيؤثر سلبا على تماسك الاسرة والاطفال ومن ثم استقرار المجتمع برمته، لهذا لا بد من تفعيل المقاربة الاجتماعية لايجاد حلول بديلة وناجعة لمعالجة المشاكل الاسرية من خلال إعتماد على مؤسسة الصلح وادماج الوساطةالأسرية[10]، قبل المسائلة الجنائية؛ لأن الحفاظ على بيوت الزوجية لا يمكن ان تشيده بالحبس أو بالقوة أو بالإكراه، بل بقانون ينسجم مع طبيعة وطقوس وأعراف الأزواج خاصة في البلدان العربية والإسلامية، التي قدمت الدليل للتاريخ من أن البيوت تقوم على الصبر والتسامح و الإنسجام والعطاء الروحي[11].