الحجز التنفيذي على العقارفي طور التحفيظ
والدعوى الفرعية لاستحقاقه وأثرهما على مسطرة التحفيظ
من إعداد : أحمد جدوي رئيس المحكمة الابتدائية بامنتانوت
مقدمة :
بالرغم من أن العقار في طور التحفيظ يتسم حق التملك فيه بعدم الثبوت وعدم الاستقرار، ولا ينعم بهما إلا بعد خضوعه لإجراءات مسطرية معقدة وطويلة فإن المشرع في المسطرة المدنية في الباب الثالث المتعلق بالتنفيذ الجبري للأحكام أجاز حجزه حجزا تنفيذيا إما مباشرة، بناء على سند تنفيذي أو بواسطة تحويل الحجز التحفظي إليه بعد الحصول على سند تنفيذي طبقا للفصول 469 و470 و471 من ق.م.م.
أو بواسطة تحقيق الرهن طبقا للمرسوم 17/12/1968 المتعلق بالقرض العقاري واالسياحي.
فما هو أثر هذا الحجز التنفيذي على مسطرة التحفيظ والاجراءات التالية له من إشهار بيع وادعاء الغير ملكيته؟ هل تسير هذه الاجراءات بشكل متواز مع اجراءات التحفيظ؟ أم تتداخلان؟ وما هي تأثير احداهما على الأخرى.
إن محاولة الإجابة على هذه التساؤلات تأتي عبر المحاور الآتية :
أولا : إجراء الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ في المرحلة الإدارية.
ثانيا : اجراؤه في المرحلة القضائية.
ثالثا : دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار المحجوز تنفيذيا في طور التحفيظ :
أ – في المرحلة الإدارية.
ب – في المرحلة القضائية.
رابعا : محضر إرساء المزاد العلني وأثره في نقل الملكية وأثر ذلك على مسطرة التحفيظ.
أولا : إجراء الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ في المرحلة الادارية :
إن إجراء الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ يمكن ان يفرض على عقار في طور التحفيظ دون وجود تعرضات، او يفرض عليه مع وجود تعرضات.
ينص قانون المسطرة المدنية في الفصول 470 إلى غاية الفصل 471 على أن محضر الحجز التنفيذي يسجل بالمحافظة العقارية بسعي من عون التنفيذ، كما ان الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري ينص على أن كل أمر رسمي بحجز عقاري يجب أن يبلغ إلى المحافظ على الأملاك العقارية.
فإذا كان هذا الاجراء لا يثير أي إشكال بالنسبة للعقار المحفظ، فإن القيام بالاجراء المذكور يثير عدة تساؤلات حول التعامل معه فيما يتعلق بالحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ، فهل يودع محضر الحجز التنفيذي طبقا للفصل 84 من ظهير 12/8/1913، ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات لكي يسجل بالرسم العقاري عند تأسيسه اذا تمت اجراءات التحفيظ قبل إرساء المزاد العلني؟ ويبت فيه من طرف المحكمة بهذه الصفة؟.
واذا كان الحجز التنفيذي بمثابة تعرض فهل يتعين على الحاجز التقيد بأجل التعرضات؟ وهل يفتح أجل استئنافي من طرف المحافظ ومن طرف وكيل الملك إذا فات الأجل المحدد للتعرضات؟
أظن اعتمادا على الفصل 24 من ظهير 12/8/1913 أن طالب الحجز لا تتوفر فيه صفة المتعرض، لأنه لا يعارض في التحفيظ ولا ينازع في حق طالبه وإنما يطلب أن يحفظ العقار مثقلا بحق الحجز اذا لم يتم البيع قبل التحفيظ تم تأسيس الرسم العقاري، وأن من مصلحته أن تثبت ملكية العقار لطالب التحفيظ تقوية للضمان الذي للدائن على أحوال مدينه.
وعليه يمكن إجراء الحجز التنفيذي في أية مرحلة من مراحل التحفيظ وحتى بعد البت في التعرضات بصفة نهائية وإرجاع الملف إلى المحافظ بخلاف التعرض الذي لا يمكن تقديمه إلا ممن ينازع طالب التحفيظ في حقه وداخل أجل محدد.
وبعد إيداع الحجز التنفيذي طبقا للفصل 84، هل يمنع المحافظ من إلغاء التحفيظ طبقا للفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري وذلك في حالة تغيب طالب التحفيظ عن اجراءات التحفيظ؟ أو اذا لم يقم بمتابعتها رغم انذاره طبقا للفصل 50 من الظهير المذكور؟
وهل يحق للدائن الحاجز التدخل لمتابعة اجراءات التحفيظ؟ أم يتدخل عون التنفيذ لمتابعتها؟ لأن إلغاء التحفيظ من طرف المحافظ يعنا إلغاء الحجز ضمنيا، سيما وأن طالب التحفيظ قد يتعمد التغيب وعدم متابعة اجراءات التحفيظ لعرقلة اجراءات الحجز نكاية في الدائن طالب الحجز.
الذي يظهر لي حسب فهمي أن إيداع محضر الحجز التنفيذي في إطار الفصل 84 يغل يد المحافظ من اتخاذ قرار إلغاء التحفيظ، كما يمنع طالب التحفيظ من إدخال أي تغيير أو تعديل على مطلبه من شأنه أن يؤدي إلى التقليص من مساحته ومحتوياته.
أما متابعة إجراءات التحفيظ من طرف طالب الحجز فليست ذات نفع له، لأنه يمكنه إجراء الحجز التنفيذي على العقار إذا عاد إلى طبيعته كعقار عاد بسبب إلغاء مطلب التحفيظ، كما أن اجراءات التحفيظ لا تتابع من طرف العون إلا اذا كان التحفيظ اجباريا بأمر المحكمة وهو اجراء منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 وغير منصوص عليه في القانون الجاري به العمل حاليا، كما يثور التساؤل حول ما إذا كان إيداع محضر الحجز بسجل التعرضات يمنع من تقديم التعرض على مطلب التحفيظ ممن يدعي حقا عليه إسوة بما نص عليه الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري الذي يمنع أي تسجيل جديد ابتداء من تاريخ تبليغ الأمر بالحجز إلى المحافظ.
بالرجوع إلى الفصل 84 المتعلق بإيداع الحقوق الناشئة أثناء التحفيظ يتضح أنه لا يستفاد منه ما يدل على أن الإيداع الأول يمنع الايداعات المتتالية، الأمر الذي يمكن معه القول بأن إيداع محضر الحجز التنفيذي بسجل الإيداعات لا يمنع من تقديم التعرضات.
وقبل الحديث عن إجراء الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ مع وجود تعرضات تتساءل عما إذا كان يقتصر إجراء الحجز على حق طالب التحفيظ فقط، أم يمكن إجراؤه حتى على حق المتعرض؟.
إن مما لا شك فيه هو جواز اجراؤه حتى على حق المتعرض اذا كان طالبا للتحفيظ في آن واحد، كما في التعرض الذي يقدم ضد التحديد الاداري للملك العمومي أو الغابوي والذي يتعين قانونا تأييده بمطلب التحفيظ، كما لا يوجد قانونا ما يمنع إجراء الحجز على حق المتعرض.
كما يستفاد من الفصل 471 من ق.م.م الذي نص على جواز ذلك على العقار في طور التحفيظ.
ويعتبر العقار في طور التحفيظ ابتداء من تقديم مطلب التحفيظ إلى غاية انتهاء جميع الإجراءات الإدارية أو القضائية في حالة وجود تعرضات.
وإذا كان الحجز التنفيذي منصبا على عقار في طور التحفيظ بعد تقديم التعرضات، فما أثره على الصلاحيات المخولة للمحافظ؟ هل يحق له إعمال مقتضيات الفصل 31 من ظهير 12/8/1913 الذي يخوله حق إجراء التصالح بين المتعرض وطالب التحفيظ؟ علما ان الصلح يعد نوعا من التفويت والحجز طبقا للفصل 475 من ق.م.م يمنع تفويت العقار المحجوز حجزا تنفيذيا .
أظن أن إجراء الحجز بعد تقديم التعرضات يسلب من المحافظ صلاحية إجراء الصلح.
وإذا سلمنا بأن الحجز التنفيذي يجوز إيقاعه حتى على حق المتعرض فهل يجوز للمحافظ إلغاء التعرض إذا لم يقدم المتعرضون الوثائق أو لم يؤدوا الرسوم القضائية لأن في ذلك إفراغ الحجز من محتواه ويتعارض مع أثر الحجز الذي يمنع كل إجراء يمس بحق الحاجز وهل يمنع الحجز فتح أجل جديد للتعرض من طرف المحافظ ومن طرف وكيل الملك؟.
ثانيا : إجراء الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ في المرحلة القضائية :
هل ينتهي الحق في الحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ بمجرد انتهاء المرحلة الادارية؟ أم يمتد الحق فيه حتى في المرحلة القضائية؟ وهل يمارس في جميع مراحل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا ونقضا ام لا؟.
إن الفصل 43 من قانون التحفيظ العقاري يمنع أي طلب جديد أثناء المرحلة الاستئنافية وكذا الفصل 143، فهل يعتبر الحجز التنفيذي طلبا جديدا فيطاله المنع المذكور؟ لا شك أنه يعتبر طلبا جديدا، وليس في وسع محكمة الاستئناف سماعه.
كما أن مرحلة النقض لا تتسع لمثل هذه الطلبات، ولكن من المتصور بعد المرحلة القضائية وصدور حكم نهائي إيقاع الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ، أمام السيد المحافظ عند إرجاع الملف إليه للقيام بالإجراءات التالية لصدور الحكم النهائي.
وعليه تبقى إمكانية إيقاع الحجز في المرحلة القضائية محصورة في المرحلة الابتدائية.
فكيف يمكن إجراء الحجز التنفيذي أثناءها هل بتقديم طلب تسجيل محضر الحجز إلى المحافظ الذي يطلب من المحكمة إحالة الملف عليه لتسجيل الحجز وإرجاع الملف إليها، أم بتقديم الطلب إلى المحكمة التي تعمل على إرسال الملف إلى المحافظ للقيام بالمطلوب وإرجاع الملف! وما موقف المحكمة من هذا الحجز، هل تبت فيه كتعرض؟ أم تترك الأمر للمحافظ لتسجيله عند تأسيس الرسم العقاري إذا لم يحكم بصحة التعرض.
ثالثا : دعوى الاستحاق الفرعية للعقار المحجوز تنفيذيا في طور التحفيظ.
إن الدعوى المذكورة أعلاه التي يرفعها الغير عن التنفيذ قد تأتي في المرحلة الإدارية، وقد تأتي في المرحلة القضائية، فكيف تمارس هذه الدعوى خلال المرحلتين هل بصفة مستقلة ومتوازية مع إجراءات التحفيظ في المرحلة الإدارية والقضائية، أم يبت فيها على شكل تعرض، وهل لهذه الدعوى تأثير على إجراءات التحفيظ؟.
أ ـ رفع دعوى الاستحقاق في المرحلة الإدارية.
قد ترفع هذه الدعوى من طرف الغير بدون وجود أي تعرض على مطلب التحفيظ، فهل يبت فيها بشكل مستقل من طرف المحكمة المختصة التي يمكنها إيقاف اجراءات البيع إلى حين البت في دعوى الاستحقاق، أم تسجل هذه الدعوى بسجل التعرضات ويبت فيها كتعرض، أم تقام دعوى الاستحقاق أمام المحكمة المختصة وتودع نسخة من المقال بالمحافظة العقارية وتتوقف جميع اجراءات التحفيظ إلى حين البت في دعوى الاستحقاق؟.
إن الحل الذي يتطابق مع الفصل 24 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بتقديم التعرضات هو التعامل مع دعوى الاستحقاق من طرف السيد المحافظ كتعرض لأن الغير الذي يدعي ملكيته العقار المحجوز ينازع في حق طالب التحفيظ وهو شكل من أشكال التعرض.
ولكن خصوصية دعوى الاستحقاق التي يترتب عنها إمكانية إيقاف التنفيذ بحكم تصدره المحكمة المختصة التي تبت في دعوى الاستحقاق وإمكانية رفعها في أية مرحلة من مراحل التحفيظ إداريا وقضائيا ما دام شرطها قائما وهو عدم إرساء المزاد العلني يدفع إلى القول بعدم إمكانية تقديمها كتعرض والبت فيها بصفة مستقلة.
بخلاف التعرض الذي يخضع تقديمه لأجل محدد، ولفتح أجل استثنائي في المرحلة الادارية وفي المرحلة الابتدائية من التقاضي فقط دون باقي مراحل التقاضي.
ولأن الغير مدعي الاستحقاق لا يكفيه تقديم التعرض على مطلب التحفيظ.
ولكن الفصل 483 من ق.م.م يلزمه باستدعاء المحجوز عليه والدائن الحاجز أمام المحكمة المختصة التي تقرر ايقاف التنفيذ او عدم ايقافه، فهل تملك محكمة التحفيظ هذه الصلاحية بايقاف التنفيذ أو عدم ايقافه، لا شك أن محكمة التحفيظ مهمتها هي البت في التعرضات ولا شيء غير ذلك، ومن غير الجائز أن يصدر قرار الايقاف من المحكمة المختصة طبقا للفصل 483، وتبت محكمة التحفيظ في دعوى الاستحقاق على شكل تعرض بالرغم من أن قرار المحكمة بالايقاف أو عدمه لا تأثير له على دعوى الاستحقاق التي تسير فيها الاجراءات بقطع النظر عن قرار الايقاف أو عدمه.
وإذا قضت المحكمة المختصة بإيقاف اجراءات التنفيذ هل يقتصر أثره على إيقاف أثر الحجز من إشهار وبيع، أم له تأثير حتى على اجراءات التحفيظ.
إن تسجيل الحجز التنفيذي بسجل الايداعات والتعرضات يقتضي تقييده بالرسم العقاري عند تأسيسه إذا لم يتم البيع بالمزاد العلني قبل ذالك.
فكيف يمكن العمل بهذه القاعدة إذا سلمنا بان إيقاف اجراءات التنفيذ لا يؤثر على اجراءات التحفيظ ومضى فيها السيد المحافظ إلى أن أسس الرسم العقاري، فكيف يتعامل مع الحجز التنفيذي المسجل بسجل الإيداع، إن الحل الذي يتلاءم مع مقتضيات الفصل 84 هو إيقاف اجراءات التحفيظ إلى حين معرفة مصير دعوى الاستحقاق التي تقرر صحة الحجز برفض طلب المدعي أو بطلانه ورفعه اذا استجاب للطلب، وإن من شأن مواصلة اجراءات التحفيظ مع وجود دعوى الاستحقاق إفراغ الحكم الذي سيصدر بالاستحقاق من محتواه وقوة الشيء المقضي.
وإذا قدمت دعوى الاستحقاق بدون وجود تعرضات فهل رفعها في هذه الحالة يمنع تسجيل أي تعرض؟ سيما إذا صدر حكم بإيقاف التنفيذ الذي قلنا أن له تأثير على اجراءات التحفيظ.
هذا عن تقديم دعوى استحقاق العقار موضوع مطلب التحفيظ الذي لا تعرض عليه، فماذا عن تقديمها مع وجود التعرضات، إن ما قيل عن تقديم دعوى الاستحقاق الفرعية أثناء المرحلة الادارية لمطلب التحفيظ الذي لا تعرض عليه، يمكن أن يقال بالنسبة لتقديم دعوى استحقاقه مع وجود تعرضات، حيث تطرح نفس التساؤلات حول البت في دعوى الاستحقاق بصفة مستقلة مع إيقاف اجراءات التحفيظ والبيع معا؟ أم يبت فيها كتعرض من طرف محكمة التحفيظ أم تضم التعرضات إلى دعوى الاستحقاق ويبت في الجميع بحكم واحد، وهو ما لايمكن لكون محكمة التحفيظ تبت في التعرضات فقط ولا تبت في الاستحقاق اذا لم يقدم كتعرض.
ب ـ رفع دعوى الاستحقاق أثناء المرحلة القضائية :
قلنا سابقا في المحور الثاني من هذه المداخلة بأنه يمكن إجراء الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ في المرحلة القضائية ابتدائيا فقط دون إمكانية ذلك في المرحلة الاستئنافية ومرحلة النقض.
ونقول بالنسبة لدعوى استحقاق العقار المحجوز بأنه يمكن تقديمها في جميع مراحل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا ونقضا ما دام الشرط المنصوص عليه في الفصل 482 من ق.م.م قائما وهو عدم إرساء المزايدة النهائية.
ولكن كيف ؟ هل بصفة مستقلة؟ هل بالتدخل امام المحكمة الابتدائية؟ أم بضم ملف دعوى الاستحقاق إلى ملف التعرضات؟ واذا صدر الحكم ابتدائيا في التعرض هل بتعرض الخارج عن الخصومة عليه، مع العلم أن الاحكام الصادرة في التحفيظ لا تقبل هذا النوع من الطعن أم بالتدخل طبقا للفصل 144 من ق.م.م وهو يشترط أيضا أن يكون للمتدخل حق التعرض الخارج عن الخصومة.
كما أن الطعن في قرارات المجلس لا تتوفر أسبابه في دعوى الاستحقاق وإذا كان كل ذلك لا يتأتى لكون محكمة التحفيظ لا تبت إلا في حقوق المتعرضين في مواجهة طالبي التحفيظ وأنه لكي نبت في دعوى الاستحقاق يتعين تقديمها على شكل تعرض وهو شيء ممكن امام المحكمة الابتدائية إن فتح لطالب الاستحقاق أجل للتعرض وهو شيء غير ممكن امام محكمة الاستئناف والمجلس الأعلى لكون ذلك من قبيل الطلبات الجديدة التي لا تقبل.
ولكن ما الحل اذا كانت دعوى الاستحاق تنصب على حق المتعرض المحجوز تنفيذيا والحال أن محكمة التحفيظ لا تفصل بين المتعرضين بعضهم مع بعض.
ويبقى إذن الحل الممكن إذا لم أكن مخطئا هو تقديم دعوى الاستحقاق بصفة مستقلة ويختصم فيها المتعرضون للاحتجاج عليهم بالحكم بالحكم الذي سيصدر اذا لم يكونوا هم المحجوز عليهم.
وإذا كانت دعوى البت في التعرضات لا زالت لم تنته، فيمكن ايقاف البت في دعوى الاستحقاق إلى حين البت في التعرضات فإذا رفضت فإنه يبت في حق طالب التحفيظ مع طالب الاستحقاق، وإذا قبل التعرض فإنه يبت في حقوق المتعرضين وطالب الاستحقاق على أن تؤخذ بعين الاعتبار الأحكام الصادرة في التعرضات كحجة رسمية لأنها لا حجية لها على طالب الاستحقاق.
رابعا : محضر المزايدة وحجيته وأثره على مسطرة التحفيظ.
نص الفصل 480 من ق.م.م على أن محضر المزايدة يعتبر سندا للمطالبة بالثمن ، وسندا للملكية لصالح الراسي عليه المزاد، كما نص الفصل 481 من نفس القانون على ان هذا المحضر لا ينقل إلى من رست عليه السمسرة سوى حقوق الملكية للمحجوز عليه.
اذا اجري الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ وتوالت اجراءات الاشهار والبيع ولم يتدخل الغير لايقافها بموجب دعوى الاستحقاق، وقدمت عروض ورسا المزاد العلني على أحد المتزايدين، فإنه بعد أداء الثمن يسلم إليه محضر المزايدة الذي ينقل إليه ملكية العقار في حدود ملكية المحجوز عليه وبما له وما عليه من تحملات وتكاليف، فهل بمجرد بيع العقار وتسليم محضر المزايدة تنتهي اجراءات التحفيظ ويسجل العقار في اسم الراسي عليه المزاد العلني ويؤسس لفائدته الرسم العقاري، أم يخضع لما تخضع إليه الحقوق الناشئة على عقار في طور التحفيظ من ايداع وتقييد طبقا للفصل 84 من ظهير 12/08/1913.
للجواب على هذه التساؤلات لا بد من التمييز بين ما اذا بيع العقار المحجوز في طور التحفيظ بدون تعرضات وبين ما إذا بيع مع وجود تعرضات، ففي الحالة الأولى ينتقل العقار إلى الراسي عليه المزاد ويحل محل طالب التحفيظ في متابعة الاجراءات لكون ملكيته نزعت نتيجة الحجز والبيع، ويؤسس الرسم العقاري في اسم الراسي عليه المزاد.
أما في الحالة الثانية، فإن الراسي عليه المزاد يحل محل طالب التحفيظ، ويكون عليه القيام بإزالة التعرضات أو إجراء التصالح في شأنها مباشرة أو بواسطة السيد المحافظ، واذا فشلت المحاولات الحبية لإزالة التعرضات فإن المحافظ يحيل الملف على المحكمة للبت في التعرضات، وعلى الراسي عليه المزاد انتظار نتيجة الحكم الذي سيصدر في التعرضات ونفس الشيء بالنسبة لما إذا تم المزاد في المرحلة القضائية.
والسؤال المطروح ما مصير البيع الراسي على المشتري في حالة صحة التعرضات وشموله لمطلب التحفيظ كله؟ على من يرجع؟ هل على الدائن طالب الحجز أم على المدين المحجوز عليه، أم على الدولة في إطار الفصل 79 من ق ل ع، مع العلم أن ضمان استحقاق المبيع في البيوع القضائية لا يوجد في الفصل 532 وما بعده من ق.ل.ع ما يمنعه.
نخلص من كل ما سبق استعراضه من الاشكاليات والتساؤلات إلى أن الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ ضره أكبر من نفعه وأنه لا يقدم أية ضمانات قوية للدائنين لكون العقار المذكور كريشة في مهب الريح، لذا نرى مؤسسات الائتمان لا نعتمد عليها كضمانة باستثناء مؤسسة القرض العقاري والسياحي في مرسوم 17/12/1968.
وتبقى الحالة الواحدة التي يمكن فيها للحجز التنفيذي على العقار في طور التحفيظ أن يعطي ثماره هي حالة اجرائه على مطلب التحفيظ بدون تعرضات وهي حالة ناذرة.
وقد حاولنا جهد المستطاع العثور على تطبيقات قضائية لحالة من حالات الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ فلم نصل إلى المبتغى.
وعليه فحبذا لو عاد المشرع النظر في إجراء الحجز التنفيذي على عقار في طور التحفيظ في مشروع المسطرة المدنية الجديد المعروض حاليا للدراسة وتقديم المقترحات وجعله قاصرا على مطلب التحفيظ الذي لا تعرضات عليه، ويترتب على ذلك منع أي تعرض أو إيداع إلى حين إرساء المزايدة مع الاحتفاظ بالثمن بصندوق المحكمة ومنع الدائن من سحبه ضمانا لحق الراسي عليه المزاد العلني من عدم تمكنه من حيازة العقار بسبب التعرضات التي يمكن أن تقدم بعد إيداع محضر المزاد طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع وذلك تطبيقا لقاعدة ضمان الاستحقاق المنصوص عليها في الفصول 532 وما بعده من ق ل ع المقررة لفائدة المشتري وعلى الدائن تحمل كل هذه التبعات ما دام قد اختار إجراء الحجز التنفيذي على هذا النوع من العقار.
وإلا فإنه من المستبعد أن يغامر أحد بأمواله ويقبل على شراء عقار مهدد بالزوال وغير مضمون العواقب، ويمكن أن يكلفه فقدان ماله وضياع وقته ويدفعه إلى خوض عدد من الاجراءات القضائية المعقدة وذلك في حالة رسو المزاد عليه ودفع الثمن وصدور الحكم ..... بصحة التعرض المقدم كليا على مطلب التحفيظ ومهما حاولت فلن أوفي هذا الموضوع حقه لأن من علم شيئا غابت عنه أشياء ويبقى الأمل معلقا على المهتمين والممارسين لتقديم حلول عملية لما يطرحه الموضوع المذكور من اشكاليات قابلة للتطبيق في الميدان العلمي.