بحث قانوني ممتاز عن مسؤولية المهندس المعماري
بين الضوابط القانونية و أخلاق المهنة
تم تنظيم مهنة المهندسين المعماريين بالمغرب لأول مرة بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1941، أي مباشرة بعد صدور القانون الفرنسي ل 31 دجنبر 1940 ، ولم يكن القانون يفرض على المهندس المعماري توفره على دبلوم في الهندسة المعمارية، بحيث ترك الباب مفتوحا حتى للأشخاص الذين اثبتوا فعلا إنجاز بناءات أو منشات عمرانية على جانب من الأهمية بعد استشارة لجنة خاصة، إلا أنه بصدور ظهير 10.9.1993،حسمت المادة الرابعة منه في الأمر، و نصت بشكل صريح أنه لا يجوز لأي شخص حمل صفة مهندس معماري أو مزاولة الهندسة المعمارية في القطاع الخاص إلا إذا حصل على إذن من الإدارة، ويسلم هذا الإذن بعد استطلاع رأي المجلس الوطني لهيئة الهندسيين المعماريين بعد ثبوت حصوله على المؤهل العلمي أي شهادة الهندسة المعمارية التي تسلمها المدرسة الوطنية المعمارية أو شهادة معادلة لها،
مفهوم عقد الهندسة المعمارية:
اختلفت الاتجاهات الفقهية والقضائية حول طبيعة عقد الهندسة المعمارية، وكان مصدر الاختلاف هو تكييف هذا العقد هل هو عقد وكالة أم انه عقد مقاوله.هل أن عقد الهندسه المعماريه تغلب عليه صفه المهندس كوكيل عن رب العمل في القيام بالتصاميم والإشراف على حسن تطبيقها مقابل أجر. أم تغلب عليه صفة أجير الصنعة أو المقاول الذي يقوم بأعمال مادية تعتمد على قدرات فكرية وذهنية ناتجة عن التكوين الخاص الذي تلقاه المهندس المعماري. ويختلف بالطبع نطاق و حدود المسؤولية بحسب ما إذا تم تغليب صفة ” الوكالة أو ” صفة ” المقاولة”. وقد تطور القضاء الفرنسي في مواقفه الأخيرة إلى اعتبار عقد الهندسة عقد مقاولة إلا إذا ورد في العقد اتفاق صريح على إدراج بعض الأعمال التي كلف بها المهندس في إطار عقد الوكالة .
أما بالنسبة للقضاء المغربي فلم نعثر في حدود ما طلعنا عليه على اجتهادات في الموضوع. ونعتقد أن الأمر يعود إلى قلة النزاعات التي أثير فيها موضوع المسؤولية المدنية للمهندس المعماري أو قلة الأحكام المنشورة في الموضوع. ويميل الفقه المغربي إلى اعتباره عقد مقاولة[1]
ولضرورة منهجية سنحاول معالجة موضوع مسؤولية المهندس المعماري وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: نظام المسؤولية
المطلب الأول: شروط قيام مسؤولية المهندس المعماري
الفقرة الأولى: الخطأ
الفقرة الثانية: الضرر والعلاقة السببية
المطلب الثاني: آثار المسؤولية
الفقرة الأولى: مختلف الدعاوى المثارة في مواجهة المهندس
الفقرة الثانية: كيفية تقدير التعويض
المبحث الثاني: تقييم نظام المسؤولية على ضوء الواقع العملي
المطلب الأول على المستوى التشريعي
المطلب الثاني: على المستوى القضائي
المبحث الأول: نظام المسؤولية.
المطلب الأول: شروط قيام مسئولية المهندس المعماري
للتصريح بمسؤولية المهندس المعماري المدنية لا بد من إثبات إخلاله بالالتزامات القانونية أو التعاقدية المفروضة عليه، وإثبات حصول ضرر بالشخص المتعاقد ـرب العمل ـ بالإضافة إلى إثبات العلاقة السببية بين الخطأ المرتكب والضرر الحاصل.
الفقرة الأولى: الخطأ:
يمكن تمثل أنواع الخطأ المرتكب من طرف المهندس المعماري في شكليين أساسيين:
فهو إما خلال بالتزامات ذات طابع تقني وفني ( أولا). أو إخلال بالتزامات ذات طابع استشاري وإداري ( ثانيا).
أولا: الإخلال بالالتزامات ذات الطبيعة التقنية والفنية.
يندرج ضمن هذه الالتزامات بصورة خاصة: 1 التقصير في واجب التأكد من طبيعة الأرض. 2 عيوب التصميم.
1 التقصير في واجب التحري عن طبيعة الأرض:
يتعين على المهندس المعماري قبل وضع تصميمه التأكد من خصائص وطبيعة الأرض التي سيقام عليها البناء، ودراسة نوع التربة، هل تسمح بالبناء أم لا، ليتحدد على إثر ذلك عمق الأساس والمواد الواجب استعمالها لتدعيم الأساس، وقد يتطلب الأمر من المهندس بالنسبة للمشاريع الضخمة الاستعانة بالدراسات الجيولوجية لمكاتب الدراسات.[2]
ويذهب الرأي الغالب في الفقه إلى تحميل المهندس المعماري مسؤولية عيوب الأرض ولو اكتفى بوضع التصميم دون الإشراف على تنفيذه.
ويذهب الفقه والقضاء إلى تحميل المهندس المسؤولية الناتجة عن مخالفة ضوابط قانونية أو إدارية كوضع تصميم لبناء عقار عمومي أو يخالف ضوابط التعمير…..
2 عيوب التصميم:
قد يكون المهندس المعماري مسؤولا عن عيوب التصميم فقط إذا انحصرت مهمته على وضع هذا التصميم، وقد تغطي هذه المسؤولية طريقة تنفيذ هذا التصميم متى امتدت مهمه المهندس إلى مرحلة الإشراف والرقابة على التنفيذ، في هذا المعنى ينص الفصل 769 و ل ع على أن:
” المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته لا يضمن إلا عيوب تصميمه”
ويندرج وضع التصميم ضمن المهام الفنية والتقنية للمهندس المعماري بوصفه شخص مهني محترف يتعين عليه مراعاة قواعد و أصول فن الهندسة المعمارية.
ويعتبر الخطأ في وضع التصميم خطأ موجبا لانعقاد مسؤولية المهندس العقدية، سواء ظهر الضرر قبل تسليم البناء أو بعده،[3] لكن يبقى التساؤل المطروح هو: هل هذا الخطأ واجب الإثبات من قبل رب العمل أو المقاول؟ أم هو خطأ مفترض يكتفى في إثباته بإثبات وقوع الضرر؟
لقد ذهب القضاء المغربي في بعض القرارات التي اطلعنا عليها إلى أن هذا الخطأ واجب الإثبات. وفي اعتقادنا يجب التمييز بين حالتين:
-الحالة الأولى: هي التي يكون فيها المهندس مسؤولا فيها عن وضع التصميم الهندسي فقط، هنا نعتقد أنه على المحكمة إجراء خبرة ضمن ما تملكه من وسائل تحقيق الدعوى لتتأكد من أن الضرر اللاحق بالبناء ناتج عن عيب في التصميم أو عيب في تنفيذ هذا التصميم وبالتالي معرفة ما إذا كان المهندس هو المسؤول عن الضرر أو أن المقاول هو المسؤول.
– الحالة الثانية: وهي التي يكون فيها المهندس مسؤولا عن المرحلتين: مرحلة وضع التصميم ومرحلة الإشراف على التنفيذ، هنا يكون الخطأ مفترضا في جانب المهندس اللهم إلا إدا أثبت المهندس سببا آخر كخطأ الغير أو القوة القاهرة أو الحدث الفجائي، طبقا للقواعد العامة.
وإذا كان الخطأ مشتركا، أي في حالة حصول خطأ من المهندس واضع التصميم وخطأ آخر من جانب المهندس أو الشخص المشرف على التنفيذ يتعين مساأله الطرفين معا في حدود نسبه خطأ كل واحد منهما.
ثانيا: الإخلال بالالتزامات ذات الطابع الاستشاري والإداري:
صحيح أن قانون الالتزامات والعقود لا ينص بشكل صريح على هذه الالتزامات ذات الطبيعة الاستشارية والإدارية. إلا أن هذه الالتزامات نعتقد، تنبع من وظيفة المهندس المعماري بصفة عامة، هذه الوظيفة المرتبطة بعمل المهندس المعماري كشخص مهني محترف ملتزم باحترام أعراف المهنة وأخلاقياتها، في هذا الإطار تنص المادة 6 من قانون الواجبات المهنية للهندسيين المغاربة على أن:[4] l’Architecte est le guide et le conseiller de son client وبالرغم من أن هذه المادة لا ترقي إلى درجة النص التشريعي الملزم إلا أنها في اعتقادنا تصلح أساسا لتقرير واجبات المهندس الضمنية التي تلزم المهندس باحترامها بالرغم من عدم التنصيص عليها في العقد. وقد رأينا كيف أن الفقه والقضاء استنتج هذه الواجبات في مجالات أخرى كمسؤولية البنك أو مسؤولية المحامي في غياب نص تشريعي صريح.
وتنقسم هذه الالتزامات إلى نوعين : 1 واجب الإعلام 2 واجب الإشراف والرقابة.
1- واجب الإعلام.
إن المهندس المعماري ملزم بتقديم المشورة والنصيحة المفيدة لرب العمل ، والتي قد تجنبه حصول أضرار له سواء نتيجة التأخر في التنفيذ أو نتيجة عيوب البناء الراجعة إلى عيوب التصميم أو المواد المستعملة في البناء وغيرها ، فالمهندس ليس شخصا محايدا وإنما شخص بحكم طبيعة مهنته ووظيفته، ملزم بتنوير رب العمل ورسم الطريق الصحيحة له لإنجاز مشروع البناء في أحسن الظروف .وقد قررت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 25-6-1963 بأنه “لا يعتبر المهندس المعماري رجل حرفة فقط يصمم الأعمال ويشرف على مراقبتها وإنما هو مستشار لرب العمل أيضا في إطار ما يملكه من التقنيات التي يمنحه الزبون على ضوئها ثقته، وبالتالي يتعين عليه أن ينير الطريق أمام رب العمل بخصوص المشروع الذي طلب منه دراسته وإنجازه”.bull.civ 6 n 341.p.290
وتمتد هذه الالتزامات إلى جميع مراحل إنجاز المشروع بدءا من وضع التصميم، مرورا بإنجاز وتنفيذ التصميم، انتهاء بمرحلة التسليم.
لكن يبقى التساؤل المطروح هو مدى اعتبار الالتزام بتقديم المشورة أو الإعلام التزاما قانونيا يرتب مسؤولية مدنية على عاتق المهندس، أم أنه مجرد التزام أخلاقي لا يرتب أي أثر قانوني.
بالرجوع إلى الفصل 83 ق.ل.ع نسجل أن انعقاد مسؤولية صاحب النصيحة أو المشورة مشروط بوجود نية للتدليس، أو ارتكاب خطأ جسيم لا يقبل صدوره من شخص محترف أو في حالة اشتراط ضمان نتيجة المعاملة ، ونعتقد أن هذا الفصل لا يسعف القضاء في تقرير مسؤولية المهندس في حالة تقصيره في إعلام رب العمل عن خطورة بعض الأعمال لأن الفصل يتحدث عن إسداء نصيحة خاطئة كانت هي السبب في حصول الضرر أما الحالة أو الفرضية التي نتحدث عنها فهي تقصير المهندس في إعلام رب العمل بخطورة أشياء أخرى سواء كانت من جانب رب العمل أو من جانب المقاول أو من جانب جهات أخرى. فهل الإحجام عن إعلام المهندس لرب العمل بخطورة تلك الأشياء ولم لو تكن موضع تعاقد بينهما يمكن أن ترتب مسؤولية الطرف الأول عن الأضرار الناتجة عن ذلك للطرف الثاني؟
نعتقد أنه بالرغم من صعوبة الاستناد على الفصل 83 ق.ق.ع أعلاه لتقرير مسؤولية المهندس المعماري إلا أنه ومراعاة للقواعد المدنية العامة التي تقدر الخطأ وفق معيار شخي ولقواعد حماية المستهلك التي تفرض على الأشخاص المهنيين والمحترفين إعلام زبنائهم سواء تعلق الأمر ببيع منتجات أو خدمات بكل من شأنه تنوير بصيرتهم وتماشيا مع القضاء المقارن ، وخاصة الفرنسي الذي تجمعنا وإياه مصادر قانونية متقاربة، أصبح من اللازم تحميل المهندس المعماري مسؤولية التقصير في تقديم المعلومات المناسبة وتحذير رب العمل من الأمور التي تشكل خطرا على المشروع الذي يعهد إليه وضع تصميمه أو الإشراف على بنائه.
2- التقصير في الإشراف والرقابة.
إذا تم تكليف المهندس المعماري بالإشراف على إنجاز المشروع ومراقبته فهذا لا يعني أنه المنفذ الفعلي المباشر في إنجاز المشروع ، لكون هذه المهمة يختص بها المقاول وإنما يعني ذلك قيام المهندس بالإشراف العام على مراحل سير المشروع وفق قواعد فن الهندسة المعمارية ومدى احترام تصميم البناء.
ويطرح موضوع الإشراف والرقابة على إنجاز الورش تزاحم مسؤولية المهندس ومسؤولية المقاول، بحيث يحاول كل واحد منهما نفي المسؤولية عنه وإلقاءها على الطرف الآخر، ونعتقد أن حصول أي ضرر ناتج عن القيام بأعمال البناء الأصل فيه مسؤولية المقاول إلا إذا ثبت تقصير في الإشراف والرقابة من جانب المهندس المعماري خاصة فيما يتعلق بالأخطاء المستمرة في عنصر الزمن ، هنا تكون المسؤولية مشتركة ويتعين تشطيرها بحسب مساهمة خطأ كل واحد من الطرفين في الضرر الحاصل . ولا نعتقد أنها مسؤولية تضامنية، لأن التضامن لا يفترض،على خلاف ما ذهب إليه بعض الفقه[5] خاصة وأن المهندس ليس بتاجر وإذا كان القول بتقرير مسؤولية المهندس عن تقصيره في مهام الإشراف والرقابة التي يتقاض عنها أتعابا مسألة واقع تنفرد محكمة الموضوع بالبث في شأنها إلا أنها ملزمة كما في جميع الأحكام بإيراد تعليل منطقي وقانوني يبرر النتيجة التي انتهت إليها حتى يتمكن حكمه النقض من بسيط رقابتها على الحكم الصادر في الموضوع.
الفقرة الثانية: الضرر وإثبات العلاقة السببية.
ينص الفصل 78 ق.ل.ع .م على أن :” كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.”
إذن فالنص القانوني يفرض وجود ضرر مباشر نتج عن خطأ الشخص المسؤول عنه. وبمفهوم المخالفة ، إن لم يكن الضرر مباشرا فلا محل للمسؤولية.
غير أن إثبات وقوع ضرر غير كاف لوحده لإثارة مسؤولية المهندس المعماري بل لا بد من إثبات خطأ من جانب هذا الأخير. إذ أن مسؤوليته غير مفترضة وإن كان بعض الفقه يدعو إلى جعلها كذلك.[6]
ونعتقد أن مسألة الإثبات يتم حسمها على مستوى المحكمة إذ أن هذه الأخيرة وباعتبار أن قضاتها لا يتوفرون على تكوين علمي أو تقني في فن الهندسة المعمارية تضطرإلى الاستعانة بخبرة في موضوع تعهد إلى مهندس معماري محلف لتحديد الأضرار اللاحقة بالبناء والأخطاء المتسببة فيه، وهو الأمر الذي يجعل للخبير موقعا هاما في تحديد مسؤولية المهندس المتابع أو إعفائه منها[7].
المطلب الثاني: آثار المسؤولية
من أجل التصريح بمسؤولية المهندس المعماري القانونية عن أخطائه والحكم عليه بالتعويض المناسب لجبر الضرر( الفقرة الثانية )لا بد أولا من تقديم دعوى قضائية ضده (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: الدعاوى القضائية ضد المهندس المعماري.
إذا كانت القاعدة كما يقول فقهاء المسطرة المدنية بأن لكل حق دعوى تحميه، فإن حق رب العمل في الحصول على سكن لائق وسليم وآمن يقابله الحق في رفع الدعاوى القضائية التي تصون هذا الحق.
وتختلف الدعاوى الشيء يملكها رب العمل في مواجهة المهندس المعماري بحسب نوع الضرر الحاصل وزمن حصول الضرر وإن كان المتفق عليه هو أن مسؤولية المهندس في جميع الأحوال مسؤولية عقدية بالنظر إلى العقد والاتفاق الذي يربطه برب العمل.
و لا تخلو أن تصنف الدعاوى القضائية التي يملكها رب العمل اتجاه المهندس المعماري ضمن صنفين اثنين: دعوى التعويض قبل التسليم . و دعوى التعويض بعد التسليم.
والفرق بين الدعويين هو ” واقعة ” التسليم، التي تتضمن نتائج قانونية هامة، فالتسليم ينقل حيازة البناء من المهندس أو المقاول إلى رب العمل وبالتالي يضع المهندس أو المقاول حدا لمسؤوليته الناتجة عن حيازة وحراسة البناء ،هذا من جهة ،وجهة ثانية يعتبر التسليم بمثابة إبراء من رب العمل لفائدة المهندس أو المقاول يعفيه من إثبات العيوب الظاهرة أي أن التسلم يعني التنازل عن إثارة أي تحفظات بخصوص العيوب الظاهرة، ومن جهة ثالثة يعتبر التسليم نقطة بداية لما يعرف بمسؤولية المهندس الناتجة عن الضمان العشري.
وإذا كانت الدعاوى القضائية التي ترجع لأسباب وقعت قبل حصول ” التسليم” خاضعة للقواعد العامة للمسؤولية العقدية سواء من حيث أساس المسؤولية أو الإثبات فإن الدعاوى القضائية المسجلة بعد حصول ” التسليم تخضع لقواعد خاصة من بينها آجال رفع الدعوى وعبء الإثبات.
فالدعوى القضائية المؤسسة على الضمان العشري يجب أن تستند إلى الضرر الحاصل داخل أجل عشر سنوات ابتداء من تاريخ ” التسليم” ،كما يتعين تسجيل هذه الدعوى داخل أجل الثلاثين يوما التالية ليوم ظهور الواقعة الموجبة للضمان تحت طائلة عدم القبول. إلا أن القضاء اعتبر هذا الأجل أجل تقادم لا سقوط وبالتالي فهو يقبل الوقف الانقطاع. بالإضافة إلى ذلك يتعين أن يكون الضرر الحاصل متمثلا في انهيار البناء كليا أو جزئيا أو إشرافه على الانهيار أما الأضرار الأخرى البسيطة فلا تدخل في إطار الضمان العشري وإنما تندرج ضمن العيوب الأخرى التي تخضع للنظرية العامة للمسؤولية العقدية.
ومن خصائص الضمان العشري أنه من النظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على إسقاطه أو التخفيض من مدته، وأن المسؤولية فيه مفترضة لا يتحلل منها المهندس أو المقاول إلا بإثبات السبب الأجنبي باعتبار أن التزام المهندس أو المقاول هو التزام بتحقيق نتيجة كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض الفرنسية بقولها:” إن المهندس المعماري والمقاول يتحملان التزاما بتحقيق نتيجة وهي تشييد بناء خال من العيوب التي من شأنها أن تؤثر على صلاحيته لما أعد له.[8]
الفقرة الثانية: كيفية تقدير التعويض
يعتبر التعويض بمثابة المقابل المحكوم به لفائدة المتضرر جبرا للضرر اللاحق به.
و إذا كان المبدأ هو اتخاذ التعويض شكل مقابل نقدي فانه يمكن تصوره في شكل مقابل عيني كإلزام المهندس والمقاول بهذا البناء وإعادة بنائه، إلا أنه مع صعوبة تنفيذ الالتزام العيني فإنه غالبا ما ينحصر الطلب في التعويض النقدي.
ويختلف حجم التعويض باختلاف حجم الأضرار وطبيعتها، ولذلك فهو خاضع للسلطة التقديرية للمحكمة التي تستأنس بظروف كل نازلة على حدة . في هذا المعنى ينص الفصل 264 ق ل ع “الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية ومافاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة، التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه”.
ونظرا للطابع التقني للموضوع ، فان المحكمة تستعين بالخبرة لتحديد الأضرار الحقيقية والمبالغ المستحقة في التعويض. ومادام أن رب العمل والمهندس تربطهما التزامات تبادلية فيمكن إجراء المقاصة بين أتعاب المهندس ومبلغ التعويض المحكوم به لفائدة رب العمل.
وبقى التساؤل قائما بخصوص وقت تحديد الأضرار والمقابل النقدي هل هو تاريخ النطق بالحكم أم تاريخ اكتشاف العيب أو الضرر؟
نعتقد أنه في الجانب العملي، ومادام القضاء يستعين بخبرة في الموضوع فغالبا ما يتم تقدير التعويض بناء على هذه الخبرة وقت انجازها، ما لم يتفاقم هذا الضرر فيما بعد.
بعد هذه النظرة الموجزة لنظام المسؤولية المهندس المعماري ننتقل في المبحث الموالي إلى إيراد بعض الملاحظات لتقييم هذا النظام ومحاولة اقتراح بعض الحلول التي من شانها تجاوز عيوب النظام الحالي.
المبحث الثاني: تقييم نظام المسؤولية
نعتقد أن نظام المسؤولية الحالي كما تم التطرق لمعالمه الكبرى في المبحث الأول يحتاج إلى إعادة المساءلة وإعادة المراجعة ،حتى يواكب تطور هذا الصنف الخاص من الأنشطة الإنسانية التي تعاظم دورها بشكل كبير في العصر الحالي، وذلك على المستويين: المستوى أو الجانب التشريعي (المطلب الأول) والمستوى أو الجانب القضائي (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: الجانب التشريعي.
لا شك أن نصوص قانون الالتزامات والعقود المتميزة بقدمها ، ما كانت لتستوعب تطور نظام مسؤولية أجير الصنعة على العموم ومسؤولية المهندس المعماري على الخصوص. ولذلك أصبح لزاما إعادة صياغة النصوص المنظمة لمسؤولية المهندس المعماري سواء من حيث النص بشكل صريح على الالتزامات الأساسية له والتي تبقى قائمة على الرغم من عدم وجود أي عقد مكتوب ينص عليها. أو من حيث تنظيم نطاق مسؤولية المهندس ومداها وتمييزها علن مسؤولية باقي المتدخلين كمكتب الدراسات والمقاول.
فالنظام الحالي يشوب الغموض والقصور، لذلك وعلى غرار باقي المواضيع التي تمت مراجعتها في ق.ل.ع لمسايرة التطور الحديث، كتنظيم بيوع العقارات في طور الإنجاز والإيجار المفضي إلى التملك وإعادة تنظيم التحكيم الداخلي والدولي والوساطة الاتفاقية نعتقد أنه قد آن الأوان لتنظيم العقد الرابط بين رب العمل والمهندس المعماري حتى يكون الزبون أو المستهلك على بينة من العقد الذي يبرمه ومن الآثار التي تنتج عنه.
ومن بين المسائل التي يتعين تنظيمها مدة الضمان سواء بالنسبة للعيوب الخفيفة أو بالنسبة للعيوب الخطيرة وأجل التقادم وكيفية تقدير التعويض والأسس المعتمدة في ذلك. وينبغي في هذا الإطار إصدار قانون يحتم إجبارية التأمين خاصة بالنسبة للعيوب الخطيرة التي تتهدد البناء، وهو الأمر الذي من شأنه تفادي مخاطر إعسار المهندس. ويفرض الاستثمار الأجنبي في موضوع التعمير مواكبة القواعد المعمول بها على الصعيد العالمي فيما يخص المشاريع الكبرى بالشكل الذي يجعل قانوننا الوطني منسجما مع التشريعات المقارنة.
المطلب الثاني: الجانب القضائي
لا شك أن النقص التشريعي المميز للموضوع يلقي على عاتق القضاء مهمة صعبة، إذ أن التفسير لا يتم إعماله إلا حينما توجد قاعدة قانونية. أما في غياب هذه القاعدة فالقاضي قد تعوزه القواعد العامة في إيجاد حل مناسب[9] ، حل عادل لا يخرق القانون وفي نفس الوقت ينصف أطراف النزاع. ولذلك نرى أن الاجتهادات القضائية تتضارب بسبب النقص التشريعي، ومما يعمق هذا التضارب غياب عمل قضائي منشور. فنشر الأحكام القضائية في موضوع مسؤولية المهندس المعماري من شأنه إغناء النقاش الفقهي والقضائي وهو السبيل إلى توحيد الاجتهاد القضائي.
[1] – أنظر OMAR AZZIMAN :LA PROFESSION LIBERAL AU MAROC THESE DE DOCTORAT DE LA FACULTE DES SCIENCES J EC SC DE RABAT.1980 P25.
وعبد القادر العرعاري: المسؤولية العقدية المقاول والمهندس المعماري بالمغرب الطبعة الأولى 2009 مطبعة الكرامة الرباط ص: 41.
[2] 2- بعد زلزال الحسيمة، صدر تعديل في المادة الثانية بمقتضى المرسوم المؤترخ 2-10-5-2004 المتعلق بتعديل مرسوم البنايات المقاومة للزلازل R.P.S2000
3 إذا وقع الضرر التسليم نكون بصدد أحكام الضمان العشري.
[4] 4- وهو ……… قانون أساسي للمهندسيين المعماريين … من طرف المهندسين أنفسهم بتاريخ: 10-9-1993تحت رقم 89-16 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وتأسيس نظام لهيئة المهندسين المعماريين.
[5] ينص الفصل 164 ق.ل.ع على أن:” التضامن بين الميدنين لا يفترض ويلزم أن نتيح صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو من القانون أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة”.
[6] – عبد القادر العرعاري، م.س،ص: 78.
[7] – ولا شك أن المهندس الخبير لا يحكمه في هذه الحالة سوى ضميره المهني الذي يجب أن يتجرد من كل عاطفة تجاه زملائه ويتحلى بالحياد التام بعيدا من كل من مجاملة أو محاباة…..
[8] – Cass civ.19-3-1986R .T.D. CIV 1987 N°P115.
[9] – فالرجوع إلى العيوب الخفية في عقد البيع لتطبيقه في ميدان مسؤولية المهندس المعماري قد يتعارض مع خصوصية هذه المسؤولية اعتبارا إلى أن المهندس لا يبيع منتجات مادية وإنما يقدم خدمات فنية و تقنية.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا