ملخص القانون البنكي
مقدمة :
إذا كان نظام المنتوج الصناعي في اقتصاد ما يستلزم لضمان أحسن جودة وحماية أكثر للمجتمع الاقتصادي، فان الأمر كذلك بالنسبة للبنوك فهي تحتاج إلى معايير سواء دولية أو وطنية تتماشى مع أخلاقيات وسلوكيات المهنة، أو الوظيفية البنكية لتفادي كل المخاطر الممكن الالتقاء بها أثناء العمل.
ولذلك تحتاج السلطات الماليةبواسطة الدولة توفير القاعدة وتهيئة الأرضية الملائمة لإقامة نظام مصرفي ذات فعالية، مبني على أسس متينة خاصة مع التحولات العالمية بحيث يكون قادر على التأقلم مع التوصيات وتوجيهات الهيئة الدولية والاستفادة من التقنيات البنكية الخارجية في هذا المجال.
وفي المغرب حاولت عدة حكومات وأنظمة سياسية واقتصادية لتغيير النظام المصرفي وفق مراحل متعاقبة وكل مرحلة لها ايجابيتها وسلبياتها، لكن الأمر الضروري والهدف الذي يصبو إليه التغيير في التنظيم داخل الجهاز المصرفي هو إيجاد نظام متأقلم يعرف كيف يواجه عمليات تسيير الموارد المالية التي هي على عاتق الجهاز البنكي خاصة في ظروف واحتياجات الأنشطة الاقتصادية المتعددة.
بالرغم من أن المغرب مر بعدة ظروف اقتصادية ومالية صعبة للغاية، بالإضافة إلى جملة من التوجهات المالية والنقدية التي حاولت في كل مرة أن تصل إلى الوضع الأمثل من الوجهة المالية وسياستها تجاه الاقتصاد الوطني والتعامل الأحسن مع الاقتصاديات الخارجية، وذلك لحل المشاكل المالية والنقدية المعروفة مثل "تحقيق رؤوس الأموال الكافية" توجيه الائــتمــانات وتنويعهما لخدمة الاقتصاد ومضاعفة الاستثمارات" وتحقيق الاستهلاك المطلوب ودعم الصناعات في الداخل وتحديث الخدمة البنكي، لكن ما يتطلبه من وسائل الدفع المختلفة عبر الجهاز المصرفي والمحافظة على استقرار النقد الوطني...من الأمور الكثيرة التي ليس من السهل تحقيقها في ظرف زمني قصير.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون البنكي بالمغرب عرف تطورا مهما، فقد تجلت أولى بوادره بإحداث البنك المخزني المغربي بموجب اتفاقية الجزيرة الخضراء – الخزيرات – المبرمة في 7 أبريل 1906 من قبل مندوبي اثنتا عشرة دولة أوربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب، واتخذ هذا البنك شكل شركة مساهمة مقرها المركزي في مدينة طنجة الدولية، وكانت جميع الدول الموقعة على الاتفاقية السابقة تمتلك حصة فيها، غير أن فرنسا تمكنت من تفويت بعض حصص الدول لصالحها فأصبحت تملك حصة الأسد في رأسمال هذا البنك، لكن الأمر لم يدم طويلا فبعد الاستقلال مباشرة أي في سنة 1959 دخلت الحكومة المغربية في مفاوضات مع فرنسا قصد استرجاع البنك المخزني المغربي، الذي أضحى بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.233 يحمل اسم بنك المغرب ، وهكذا توالت التشريعات والقوانين المنظمة للمادة البنكية وعلى رأسها الظهير الشريف رقم 1.05.38 الصادر بتنفيذ القانون رقم 76.03 الذي هو بمثابة قانون أساسي لبنك المغرب، وفي 14 من فبراير 2006 صدر القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
لكن رغم هذا الزخم من التعديلات التي أدخلت على القوانين المتعلقة بالمهنة البنكية، إلا أن البنوك ذات الصبغة الإسلامية، أو بالأحرى المنتوجات التي تتعامل بها هذه البنوك لم تعرف سبيلا إلى الأسواق البنكية المغربية إلا ابتداء من 2007، حيث سمح بنك المغرب بتداول ثلاث منتوجات، إلا أنها لم تلقى النجاح الذي كان متوقعا، وذلك بالنظر إلى تكلفتها العالية وأيضا عدم وجود مقتضيات ضريبية متعلقة بها بشكل واضح.
وحري بالذكر أنه في سنة 2012 تم تقديم مشروع قانون رقم 103.12 يتعلق أيضا بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الذي تم المصادقة عليه في الأسابيع الثلاث الماضية، وتم نشره في الجريدة الرسمية ، لينتقل من مجرد مشروع قانون إلى قانون ساري المفعول.
وبالتالي فدراستنا سوف تتمحور حول الجانب التنظيمي للقطاع البنكي، أي إبراز أهم المتغيرات التي طرأت عليه لذلك نطرح الأسئلة الفرعية التالية:
ما المقصود بالقانون البنكي وما هي أهم مصادره؟
وعليه سنعتمد التقسيم التالي:
المبحث الأول: ماهية القانون البنكي
المبحث الثاني: أهم العقود البنكية
المبحث الأول: ماهية القانون البنكي
إن الوقوف على ماهية القانون البنكي يقتضي منا تحديد المقصود بالقانون البنكي (المطلب الأول) ثم التطرق إلى أبرز المصادر التي يستقي منها وجوده(المطلب الثاني) لنعرج في الأخير على العلاقة الوثيقة بين القانون البنكي و النشاط الاقتصادي (المطلب الثالث)
المطلب الأول تعريف القانون البنكي:
كما هو معلوم فإن التعاريف هي مسألة فقهية من إختصاص الفقهاء القانونيين، بحيث أن المشرع يتحاشى وضع التعريفات تجنبا لكونها قد تكون ناقصة ، لذلك دائما يترك هذه المسألة لرجال القانون، من أساتذة باحثين ومحاميين.......
ولذلك يعرف القانون البنكي من خلال موضوعه على أنه مجموع القواعد القانونية المتعلقة بالعمليات البنكية والقائمين بها مهنيا.
والوقوف عند هذا التعريف الخاص بالقانون البنكي يوضح بجلاء على أ،ه يشمل المهنيين النشطين في المجال البنكي وأيضا العمليات البنكية.
العمليات البنكية:
لقد كان من الصعب تعريف العمليات البنكية من قبل المشرعين وقد حاول المشرع المغربي تعريف العمليات المصرفية على أنها تلقي الأموال من الجمهور وتقديم القروض ووضع وسائل الدفع تحت تصرف الزبائن وإدارة هذه الوسائل بالإضافة إلى عمليات أخرى كعمليات الصرف وعملية إصدار الأوراق والنقود المعدنية وترويجها وسحبها.
محترفو العمليات البنكية:
إن العمليات المصرفية السابقة تقوم بها المؤسسات المالية والبنوك بمفهومها الوارد في المواد من 15 إلى 34 من القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، كما يحدد البنك المركزي المغربي الشروط العامة التي يرخص ضمنها تأسيس البنوك والمؤسسات المالية في المغرب.
المطلب الثاني: مصادر القانون البنكي
تتنوع مصادر القانون البنكي بين الداخلية (أولا) وبين مصادر خارجية أو دولية (ثانيا)
أولا: المصادر الداخلية أو الوطنية
لقد تنوعت المصادر الداخلية بن قوانين وأعراف واجتهاد قضائي .
القوانين التنظيمية والتشريعية: المرسوم الملكي 21 أبريل 1967 والذي كان يرمي إلى تنظيم مهنة البنك، ثم قانون 6 يوليوز الفقهي 1992 الذي كان يهدف إلى تقوية المنافسة والتنافسية في النظام البنكي، ثم قانون 14 فبراير 2006 والذي قوى من سلطات بنك المغرب.
الاجـــــــتهاد القضائي :
إن للاجتهاد دور أساسي في القانون البنكي فتظهر أهميته في تفسير وشرح النصوص القانونية لبعض العمليات البنكية، وفي تحديد القواعد المطبقة في مجال الضمانات[1] على سبيل المثال.
العرف:
وهو ما يتعارف عليه الناس واتفقا عليه وكثيرا من الأعراف ما تُسَيِّرُ العلاقات بين البنوك، والعلاقات بين البنوك و زبنائها ويتعلق الأمر بالممارسة المهنية في منطقة معينة خلال فترة طويلة نسبيا، ولا يعتبر عرفا إلا إذا صدر من طرف ممارسين مهنيين ذوي خبرة.
ويجب التأكيد أن هذه الأعراف لا تكتسب القوة الإلزامية تجاه الزبون إلا إذا قَبِلَ بها صراحة كما لا يمكن إلغاء القواعد القانونية التي سنها المشرع.
ثانيا: المصادر الدولية أو الخارجية
للقانون البنكي طبيعة دولية خاصة في جانبه المرتبط بالتجارة الدولية، وعليه تظهر الأهمية الكبرى للاتفاقيات الدولية في مجال التنظيم البنكي وأهمية الأعراف الدولية كذلك في تسيير العمليات البنكية بالإضافة إلى ذلك يجب الإشارة إلى دور الهيئات الدولية في العمل على توحيد القواعد والممارسات المطبقة على بعض العمليات البنكية الدولية، كالقواعد التي وضعتها الغرفة التجارية الدولية والتي تخص الإجراءات الموحدة والمتعلقة بالاعتماد المستندي[2] بصفته الوسيلة الأكثر استعمالا في تمويل عمليات التجارة الخارجية.
المطلب الثالث: علاقة القانون البنكي بالنشاط الاقتصادي
القانون البنكي يلعب دورهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، من خلال تنظيمه للمهنة البنكية أولا، وكذا تحكمه في حركة النقود و الرساميل داخل السوق الوطني، وذلك من خلال مقتضيات قانونية تساهم في تخليق الحياة الاقتصادية للدولة.
من هنا أتت العلاقة ما بين القانون البنكي والنشاط الاقتصادي، باعتبار أن هذا الأخير يدور حول النقود والائتمان، ولا تتخفى أهميتها في اقتصاد الدولة، وأيضا إلى أهمية العمليات التي تنجز في إطاره وعلى رأسها توزيع القروض وصك النقود.
فدور البنوك في هذه العمليات من بدايتها إلى نهايتها من جهة، وضرورة حماية المودعين من جهة أخرى، جعلا الدولة تنهج نظاما بنكيا متحكما في ضبط النشاط الاقتصادي للدولة، وذلك من خلال عناصره الأساسية وهي:
1 - طابع النظام العام المتمثل في تنظيم القروض وحماية المودعين والمقترضين، والمقترن بعقوبات جنائية في الغالب.
2 - طابع الخروج عن التصنيفات القانونية التقليدية المتعارف عليها، لأن المشرع في القانون البنكي يضع قواعد قانونية خاصة ومتميزة، دون مبالاة بالتصنيفات القانونية الموجودة، لأن غرضه الأساسي هو محاولة التحكم في الواقع الاقتصادي ومعطياته، والتي لا تتطابق بالضرورة والتصنيفات القانونية المعروفة.
3 - طابع التغيير السريع،لأن قواعد القانون البنكي لابد أن تساير التغير السريع الذي تعرفه الحياة الاقتصادية مما يفترض تدخل المشرع دائما لتغييرها يجعلها ملائمة للظرفية الاقتصادية.
المبحث الثاني : أهم العقود البنكية
لقد حدد المشرع المغربي العقود البنكية في القسم السابع من الكتاب الرابع من مدونة التجارة التي ضمنها في 58 مادة مخصصا مجموعة من المواد لكل عقد عل حدة، وهذه العقود البنكية هي:
1ـ الحساب البنكي
2ـ التحويل
3ـ الخصم
4ـ رهن القيم
5ـ فتح الاعتمادات
6ـ ايداع السندات
7ـ حوالة الديون المهنية
لذلك سنحاول الوقوف على ثلاثة عقود أساسية وهي الحسابات البنكية والتحويل والخصم.
أولا: الحساب البنكي
الحساب البنكي في نظر المشرع المغربي حسب المادة 487 من مدونة التجارة إما حساب بالاطلاع أو حساب لأجل.
الحساب بالاطلاع:
بالرجوع إلى المادة 493 من مدونة التجارة نجدها تنص على أن »الحساب بالاطلاع عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة، والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة احد الأطراف «
الحساب لأجل:
لم تخصص مدونة التجارة تعريفا محددا للحساب بالاطلاع لكن بالرجوع إلى المادة 506 يمكن أن نستشف على أنه عقد بين البنك والزبون محدد المدة، بحيث لا يعود لها الحساب وجود بعد انتهاء الأجل المحدد إلا إذا طلب الزبون تجديد الحساب لأجل[3].
ثانيا: التحويل
بالرجوع إلى المادة 519 من مدونة التجارة المغربية نجدها تعرف التحويل على انه »عملية بنكية يتم بمقتضاها إنقاص حساب المودع، بناء على أمره الكتابي بقدر مبلغ معين يقيد في حساب آخر «
بحيث تمكن هذه العملية من:
- نقل مبلغ نقدي من شخص إلى آخر لدى كل منهما حساب لدى المؤسسة البنكية.
- نقل مبلغ نقدي بين حسابات مختلفة مفتوحة باسم نفس الشخص لدى المؤسسة البنكية ذاتها.
ثالثا: الخصم
عرفت المادة 526 من مدونة التجارة الخصم بأنه » عقد تلتزم بمقتضاه المؤسسة البنكية بان تدفع للحامل قبل الأوان مقابل تفويته لها مبلغ أوراق تجارية أو غيرها من السندات القابلة للتداول التي يحل اجل دفعها في تاريخ معين، على أن يلزم برد قيمتها إذا لم يف بها الملتزم الأصلي «
للمؤسسة البنكية مقابل عملية الخصم فائدة وعمولة
[1] يستخدم في شركات المقاولات العامة وهو عبارة عن "شهادة يصدرها البنك بناءً علي أحد عملائه يتعهد بمقتضاه بدفع قيمته لحساب المستفيد من خطاب الضمان في حالة المطالبة بسداد قيمته بشرط أن يكون خلال مدة سريانه وفي حدود المبلغ المصدر به وفي نفس الغرض المصدر من أجله.
[2] الاعتماد المستندي" : يستخدم مع شركات الاستيراد والتصدير وهو عبارة عن "عقد يتعهد البنك بمقتضاه بفتح اعتماد لصالح شخص آخر بناءً علي طلب أحد عملائه بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة أو معده للنقل " أي أن البنك وسيط بين المستورد والمصدر لضمان حق الطرفين.
[3] وحسب المادة 508 من م. ت يمكن للزبون إنهاء الحساب قبل أجله بموافقة البنك ، لكن هذا الإنهاء السابق لأجله يؤدي إلى تطبيق الجزاءات المشترطة عند فتح الحساب ، أي أداء رسوم مالية مقابل هذا الإنهاء.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا