بقلم
ذ. مراد سلطان برهان الدين محمد جواد الرفاعي
ان النزاع الضريبي يمر عبر مراحل مرورا بالمرحلة الإدارية على اعتبار أن الجهاز الذي يفصل في النزاع الضريبي هو الإدارة نفسها،وبالتالي تجسيد عدم استقلاليته، بحيث تعتبر خصما وحكما في نفس الوقت،ثم كذلك مرحلة عرض النزاع على اللجان الضريبية بما فيها اللجنة المحلية واللجنة الوطنية ،فإنه قد لا يتم حسم النزاع بشكل نهائي خلال هاتين المرحلتين، فيبقى للملزم مرحلة أخيرة للفصل في نزاعه مع الإدارة الضريبية وهي المرحلة القضائية التي تعتبر بمثابة الوسيلة الأخيرة والحاسمة في الفصل في النزاع الضريبي، ولذلك فلا يحق للملزم الذي ينازع في أساس الضريبة أن يلجأ إلى القضاء إلا بعد أن يكون قد استنفذ المراحل السابقة الذكر دون أن تجيبه الإدارة الضريبية داخل الأجل القانوني(60 يوما) أوفي الحالة التي لا يقتنع فيها بجوابها.
أما بالنسبة للإدارة الضريبية فإن مجال اللجوء للحقل القضائي بالنسبة لها كان يعتبر ضيقا، بحيث لا يسمح لها بالطعن في قرار اللجنة الوطنية إلا إذا بتت هذه الأخيرة في مسألة قانونية بما في ذلك تفسير نصوص تشريعية أو تنظيمية، وعندما لا يترتب على مقرر اللجنة الوطنية صدور أمر بالاستخلاص ، لكن مع صدور قانون المالية لسنة 2003، أصبح لها حق الطعن في مقررات اللجان سواء تعلقت بمسائل واقعية أو قانونية.
وتعرف مسطرة التقاضي الجبائية على أنها مجموعة من القواعد التي تحدد الاختصاص للنظر في الدعوى الجبائية، والمسطرة الواجب إتباعها للتقاضي وطرق الطعن، وتوضع الإجراءات التي يتعين إتباعها قبل رفع النزاع وبعده، بالإضافة إلى بيان حقوق أطراف الدعوى وصفتهم، ونعني بذلك الملزم أو المدين من جهة والدولة من جهة أخرى.
ولهذا فإن القضاء في أحكامه المتعددة، يعتبر محطة أساسية[1] ودرعا واقيا للمكلفين على وجه الخصوص، من تجاوزات الإدارة وأخطائها. وتجد هذه الفكرة سندها في كون الملزم هو الطرف الضعيف في المنازعة الضريبية،فهذا الأخير في حاجة إلى حماية قضائية وليس إلى حماية قانونية لاختلاف منطق كل منهما في التعامل مع القاعدة القانونية[2].
إلا أن مهمة القاضي في هذا الشأن ليست بالأمر الهين، فهو مدعو للتوفيق بين ضمان حقوق الأفراد تجاه إدارة الضرائب، وبين ما تقتضيه المصلحة العامة من تمويل ميزانية الدولة بمجموعة من الضرائب.
وقد خضع العمل القضائي في المنازعات الضريبية لتطورات متلاحقة ومهمة، فقبل إحداث المحاكم الإدارية كانت الأحكام الصادرة في هذا المجال ذات طبيعة مدنية أكثر منها إدارية،وكان الخاضعون يفضلون اللجوء إلى مساطر الصلح مع الإدارة بدل التوجه إلى القضاء للطعن في القرارات الصادرة عنها[3]. لكن بعد إحداث المحاكم الإدارية أصبحت المنازعة الضريبية تدخل في اختصاص القضاء الإداري وأساسا القضاء الشامل باعتبار الملزم يهدف إلى حسم النزاع في جوهره[4].
وتأسيسا على ما سبق عن دور المرحلة القضائية في حسم الخلافات الضريبية بين الملزم والإدارة الضريبية تطرح لدينا اشكالية مفادها .وهي إلى أي حد يمكن اعتبار المسطرة القضائية ضمانة مهمة لحماية حقوق للملزمين اتجاه الإدارة الضربيبة ؟
سنعالج هذه الاشكالية من خلال التطرق في المبحث الاول لأنواع الدعوى الضريبية وأطرافها على أن نتناول في المبحث الثاني للإجراءات المسطرية في الدعوى الضريبية.
المبحث الأول : أنواع الدعوى الضريبية وأطرافها
ان القضاء يعتبر من أهم الضمانات المخولة للملزمين لمواجهة تعسف الإدارة الضريبية في فرض الضريبة أو لدفع الإدارة لتصحيح الأخطاء التي تقع فيها. وبالتالي تحقيق الاطمئنان النفسي للملزمين بالحصول على حقهم، خاصة وأن العدالة تفرض أن لا يكون الحكم خصما في النزاع[5]. ثم كذلك القاضي هو ملزم بالنظر في كل دعوى مرفوعة ضد الإدارة الضريبية، وإلا ارتكب جريمة إنكار العدالة[6]. بخلاف الإدارة الضريبية،فهي غير ملزمة بالبث في تظلمات المكلفين
وعليه فان الدعاوى المرفوعة امام القضاء تختلف باختلاف طبيعتها القانونية. ( المطلب الاول) وكذلك وجود طرفين رئيسين في هاته الدعاوى ( المطلب الثاني).
المطلب الأول:أنواع الدعوى الضريبية.
تتوزع أنواع الدعوى الضريبة بين دعوى القضاء الشامل ودعوى قضاء الإلغاء ثم كذلك دعوى القضاء الإستعجالي.ولهذا فإن أول إشكال يطرح في مجال المنازعات الضريبية يتعلق بتحديد الطبيعة القانونية لهذه المنازعات، التي تتنوع بتنوع تقسيماتها[7]. فإذا كان الاختصاص بالبت في المادة الضريبية قبل إحداث المحاكم الإدارية يرجع للمحاكم العادية، إلا أن ذلك لا يعني خضوعها لمقتضيات القانون الخاص[8]،على اعتبار أن هناك مبادئ خاصة يقوم عليها القانون الضريبي تجعله يكتسي طابعا إداريا.
وعلى الرغم من الطابع الإداري للمنازعة الضريبية، فإن مشكل تحديد جهة القضاء الإداري المختصة يظل مثارا بشأن الجهة المختصة، بمعنى هل تقام الدعوى الضريبية في شكل دعوى قضاء شامل؟ وبالتالي انصبابها على جوهر النزاع الضريبي أي على أساس الضريبة واحتسابها، أم في شكل دعوى الإلغاء تثير فقط مشروعية القرار الضريبي؟إضافة إلى دعوى القضاء الاستعجالي المنصبة على إيقاف تنفيذ الدين الضريبي.
الفقرة الأولى: دعوى القضاء الشامل.
إن النزاع الجبائي هو بالأساس قضاء شامل وجل مواضيع النزاعات الجبائية لا تخلو من أحد الاحتمالين :إما الإسقاط الكلي أو الإسقاط الجزئي للضريبة، فالملزم يوجه دعواه في شكل مطالبة تتعلق بموضوع الضريبة. وبالتالي فالقاضي يملك سلطة تعديل القرار المطعون فيه، وتصحيحه واستبداله بقرار آخر يحل محله عند الاقتضاء.
ويظهر هذا الأمر في المادة الضريبية من خلال تعديل مبلغ الضريبة وتخفيضه إلى القدر المعقول، أو بإعطاء أمر للإدارة بإرجاع المبلغ الذي تم تحصيله بغير حق من الطاعن وذلك بعد إلغائه[9].
وبناء عليه فإن المنازعات التي تدخل في إطار دعوى القضاء الشامل بمفهومها الدقيق حسب الفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية:
- إلغاء قرارات السلطات الإدارية يسبب تجاوز السلطة.
- النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية.
- دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.
- النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفين إدارة مجلس النواب.
- تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
- البت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
وفي هذا الإطار تتميز دعوى القضاء الشامل بالمميزات التالية:
- ضرورة التزام صاحب المصلحة أو الملزم بالإجراءات المتطلبة قانونا في الدعوى الضريبية.
- يعتبر أداء الرسوم القضائية أمرا ضروريا في دعوى القضاء الشامل وإﻻعرض الملزم إلى عدم قبول دعواه لعدم احترامه للشروط الشكلية المتمثلة في عدم أداء الرسوم القضائية.
- سلطات القاضي في دعوى القضاء الشامل سلطات واسعة فعالة لحسم النزاع في جوهره وأوفر جدوى بالنسبة للملزم، وبالتالي إمكانية الحلول محل الإدارة، إذ يملك سلطة إيجابية تخوله أن يتصرف كإداري[10]. وهو ما يتطلب أن يضع نفسه كسلطة عليا بالنسبة للمفتش الضريبي صاحب القرار المشمول بالتعديل، فالمحكمة لا تكتفي بالنظر في القضايا المسطرية التي تحيط بالدعوى الضريبية،بل تتعداها أحيانا إلى النظر في موضوع الدعوى لتعيد تكييف الواقع قصد تصحيح الإلزام الضريبي وهو ما أشارت إليه المحكمة الإدارية لأكادير[11].وبهذا فالفقه المغربي في معظمه زكى هذا الاتجاه[12]. إضافة إلى أن العمل القضائي المغربي استقر في تكييفه للطبيعة القانونية للنزاع الضريبي على أنه نزاع ذاتي صرف وأن القضاء الشامل هو مجاله، وهو ما أكدت عليه عدة محاكم في هذا الشأن، حيث جاء في حكم إدارية فاس[13]."أن المنازعة في مادة الضريبة سواء ما ارتبط منها بالمطالبات والمتابعات التي قد تثار بمناسبة الإجراءات المتبعة في تحصيلها أو بالأساس القانوني المعتمد في فرض الضريبة هي منازعة ذاتية صرفة للمحكمة دورا تحكيميا كاملا للنزاع بفحص الواقعة والقانون وتمكينا من إعادة المراكز القانونية إلى الحالة التي كانت عليها أو بتغيير الاقتطاعات الضريبية التي قامت بها الإدارة الجبائية، ومن تم فهي في صميم ولاية القضاء الشامل للمحكمة الإدارية بدليل أن المشرع أفرد لها بابا خامسا في القانون المحدث للمحاكم الإدارية".
وفي نفس السياق اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط [14]. أن موضوع الطلب الذي يرمي إلى إلغاء قرار إداري صادر عن مديرية الضرائب"ينص على المنازعة في الضريبة على القيمة المضافة، وهذه الأخيرة تدخل ضمن القضاء الشامل لا قضاء الإلغاء". واعتبرت أنه لا يمكن اللجوء إلى إلغاء مقرر إداري تعلق بالضرائب إلا إذا كان موضوع الطلب ينصب على المنازعة في مبدأ فرض الضريبة نفسه[15]. وبذلك فإن جل الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في الطعون الضريبة قدمت في إطار القضاء الشامل[16]. وإذا كان هذا عن دعوى القضاء الشامل فماذا عن دعوى الإلغاء؟.
الفقرة التانية: دعوى قضاء الالغاء
المنازعات الجبائية مجموعة من القواعد المطبقة على الخلافات الناشئة عن عمليات تأسيس أو تصفية أو تحصيل الضرائب بمختلف أنواعها، وباعتبار أن أحد أطراف الخصومة في الدعوى هي الإدارة كسلطة عامة، فإن المنازعات الجبائية هي منازعات إدارية بطبيعتها[17].
ولذلك فوجود الإدارة وما تمثله من سلطة صاحبة امتياز، يبرر ضرورة ومشروعية الحديث عن الحماية القضائية في المنازعات للطرف الثاني وهو الملزم بالضريبة، باعتباره طرفا عاديا مجردا من كل سلطة أو امتياز إلا سلطة القانون[18].
وإذا كان القضاء الشامل كما سبق الذكر يستطيع الحلول محل الإدارة لتصحيح جميع المعطيات المتعلقة بتلك الضريبة، وكأنه ينشئها من جديد بعد ما عجزت الإدارة في تحديدها، فإنه يبقى معنا أن نتساءل عما إذا كان هو الوحيد الذي يحتكر البت في هذه المنازعات؟ بمعنى أخر هل لقضاء الإلغاء مجال للتدخل في هذا النوع من الدعاوى؟.
تعرف دعوى الإلغاء بأنها الدعوى التي يرفعها أحد الأفراد إلى الجهة القضائية المختصة ليطلب منها إلغاء القرار الإداري غير المشروع[19] .
وإذا كانت دعوى الإلغاء تعرف في فرنسا بدعوى تجاوز السلطة،فإنه في المغرب وقبل صدور قانون المحاكم الإدارية كانت هذه الدعوى تعرف بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، أما بعد صدور هذا القانون فإن المشرع قد استعاض عن الشطط بمصطلح التجاوز، فأصبحت دعوى الإلغاء تعرف بمقتضى المادة 8 من القانون المذكور بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.وهي أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية كدرجة أولى بعد ما كانت من اختصاص المجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957.والتي كان ينظر فيها ابتدائيا وانتهائيا. والآن أصبحت تستأنف أمام المحاكم الإدارية الاستئنافية[20].
وتجدر الإشارة مرة ثانية إلى أن هناك من عرف دعوى الإلغاء بأنها" تلك الدعوى التي ترفع لأجل المطالبة بإلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية والمتسمة بعدم الشرعية"[21]. أو لكونها تلك الدعوى القضائية التي ترمي إلى المطالبة بإلغاء قرار إداري لكونه معيبا أو مشوبا بعيب من عيوب عدم المشروعية"[22].
وبهذا فقاضي الإلغاء للشطط استعمال السلطة يلعب دورا أساسيا في مراقبة شرعية المقررات الإدارية الصادرة عن الإدارة ومدى مطابقتها للقوانين الضريبية.
فدعوى الإلغاء في مادة الضرائب تستند إلى تجاوز الإدارة لسلطتها بشكل واضح، كأن يتعلق الأمر بفرض ضريبة لا ينص عليها القانون أو أن قانونا قد ألغاها أو أن تفرض ضريبة على شخص ما بعيدا كل البعد عن الوعاء الضريبي المفروضة عليه، كأن تفرض الضريبة المهنية على شخص لم يسبق له أن مارس بتاتا هذه المهنة.
وتجدر الإشارة إلى أن حالات دعوى الإلغاء تنحصر في نقطتين أساسيتين وهما:
1- القرارات المنفصلة للإدارة الضريبية: فيمكن تصور دعوى الإلغاء بالنسبة للقرارات المنفصلة عن عملية فرض الضريبة في حالات معينة،أبرزها القرار الرافض لطلب الملزم بتأجيل الأداء ،رفض طلب الإعفاء، وكذلك القرار المحدد لمبدأ فرض الضريبة وكذا عملية تحديد أساس الضريبة...
ففي قرار له[23],اعتبر المجلس الأعلى أن المنازعة في مبدأ فرض الضريبة تندرج في إطار دعوى الإلغاء. كما اعتبر المجلس الأعلى في قرار أخر[24].أن حق النظر في طلب إلغاء بخصوص عملية تحديد الأساس الضريبي يدخل ضمن اختصاص الغرفة الإدارية. أي في إطار دعوى الإلغاء.
وقد تأثرت بعض المحاكم الإدارية بهذا التوجه الذي أخد به المجلس الأعلى، حيث اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس[25]. أن القرارات الضريبية الصادرة عن الإدارة الضريبية قرارات إدارية منفصلة عن عملية فرض الضريبة، وبذلك فإن عدم التقيد بضوابط الضريبة على الأرباح العقارية يؤدي إلى إمكانية الطعن بالإلغاء في موضوع الضريبة .
2-القرار الصادر عن اللجان الضريبية: خول المشرع للملزم ضمانات واسعة رغم تقييده بهذا الإجراء ، حينما منع على اللجان إمكانية تفسير القواعد القانونية. وفي هذا الاتجاه قبل المجلس الأعلى الطعن بالإلغاء في قرارات اللجنة الوطنية باعتبارها قرارات إدارية بالرغم من تقدم إدارة الضرائب بدفوع لانتظار صدور أوامر بالتحصيل عن إدارة الضرائب للطعن فيها أمام القضاء عن طريق دعوى القضاء الشامل[26].
وقد تبنت المحاكم الإدارية نفس الموقف في العديد من الأحكام. وقد أكدت على ذلك المحكمة الإدارية بوجدة[27].
ولهذا فلكي تكون دعوى الإلغاء مقبولة يجب أن يقدم طعن إداري أولي حسب ما نص عليه الفصل 360من قانون المسطرة المدنية وهو ما يسمى بالتظلم الرئاسي أو تظلما استعطافيا إلى السلطة التي أصدرت القرار[28]. هذا إضافة إلى ضرورة انعدام دعوى موازية وهذا يعني أن الملزم الذي يتوفر على وسيلة قانونية تمكنه من الحصول على نتيجة لا تقبل دعوى الإلغاء التي يتقدم بها أمام القضاء.
المطلب الثاني:أطراف الدعوى الضريبية
لعل من البديهي القول بأن دعاوى المنازعات الضريبية كغيرها من الدعاوي تتوفر على طرفين:طرف مدعي وطرف مدعى عليه، وإذا كانت الإدارة في أغلب هاته الدعاوي تكون مدعى عليها باعتبار أن لها سلطة التنفيذ المباشر[29].فإن هناك حالات تكون فيها الإدارة هي المدعية[30].فما هي إذن الشروط الواجب توفرها لدى كل طرف من أطراف المنازعة في الدعوى الضريبة؟.هذا ما سنحاول معالجته في الفقرات التالية.
الفقرة الأولى: الشروط المتعلقة بالملزم
تجدر الإشارة إلى أن الملزم غير الراضي بقرار الإدارة يمكنه متابعة المسطرة التنازعية أمام القضاء[31]. ثم كذلك بالنسبة للخاضعين للضريبة العامة في حالة رفض مطالباتهم من طرف وزير المالية ومن ينوب عنه أو عدم الجواب عليها خلال الستة أشهر الموالية لتاريخ المطالبة أن يرفعوا القضية إلى المحكمة المختصة للنظر والفصل فيها[32].
وفي هذا الصدد إن الطعن أمام القضاء لا يقبل إلا من الملزم الذي فرضت عليه الضريبة شخصيا ،ولهذا تنص المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية على أنه:" لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه،" وقد اعتبر المشرع هذه الشروط من النظام العام يمكن للقاضي أن يثيرها تلقائيا في حالة انعدامها، ويحكم بالتالي بعدم قبول الطعن.إن هذه الشروط كلها غالبا ما تتوفر في الملزم بالضريبة لأنه قليلا ما يتصف بصفة الإلزام الضريبي دون أن يكون أهلا للقيام بالأنشطة الخاضعة لها.
فالدعوى الضريبية لا تقبل إلا إذا كان للمدعي حقا أو مركزا قانونيا لنفسه. هذا بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، أما إذا كان الطاعن شخصا معنويا كالشركات مثلا، فإن الطعن لا يمكن أن يرفع إلا باسم من يمثلها قانونا أي باسم رئيس مجلس إدارة الشركة أو مديرها العام
كما يجب أن يتوفر المدعي على الأهلية القانونية لممارسة حقه في الطعن القضائي، وذلك ببلوغه سن الرشد القانوني[33]. أما بالنسبة للشخص المعنوي فالأهلية تقتضي أن يكون متمتعا بالشخصية المعنوية.
وعلى غرار الشروط الآنفة الذكر، يعتبر شرط المصلحة ركنا أساسيا لقيام الحق في الدعوى،وقد أكد الفقهاء على أن المصلحة هي مناط الدعوى وجوهرها[34]. "حيث لا مصلحة لا دعوى "، فهي الفائدة الفعلية التي تعود على المدعي من عرض ادعائه على القضاء، وحيث تنعدم المصلحة تنعدم الدعوى، فمن غير المعقول أن يعمد الملزم بالضريبة إلى رفع الدعوى دون أن يكون له غرض جدي يسعي إليه، أي طلب الإلغاء الكلي أو الجزئي للضريبة المتنازع بشأنها. وفي نفس المقتضى صدر، قرار عن المجلس الأعلى[35].جاء فيه ما يلي:
«... حيث يؤخذ من أوراق الملف ومن فحوى الحكم المستأنف المشار إليه أنه بناء على مقال مؤرخ في 26/02/1996، عرضت الشركة الصناعية المغربية للتطبيقات الكيماوية أنها توصلت بأمر عدد 1180 بتاريخ 18/12/1995. لأداء مبلغ 62. 327. 148. 2 درهم الناتج عن ضريبة المباني والإنذارات القانونية الناتجة عنها وضريبة مدخر الاستثمار والضريبة على الشركات والإنذارات القانونية الناتجة عنها، وضريبة التضامن الوطني وضريبة الأرباح المهنية والضريبية على القيمة المضافة والضريبة على المساهمة الإبرائية والضريبة على قدر المعاملات والإنذارات القانونية الناتجة عن كل ذلك عن السنوات الواردة في الكشف المرفق، وأنه لنشوء خلافات بين المساهمين في الشركة وضعت تحت الحراسة القضائية بأمر استعجال صادر بتاريخ 6/85- تحت عدد 49 في الملف 453/84.وأنه منذ صدوره ستستمر، وأن ملفات نشاطها التجاري يوجد بين يدي رئيس كتابة الضبط لدى ابتدائية وجدة، وأنها لم تحقق أي ربح طوال هذه المدة، ولذلك التمس إلغاء الأمر المطعون فيه، واحتياطيا تعيين خبيرين على الأقل ، وبعد المناقشة وتمسك الإدارة بمشروعية الأمر المطعون فيه، وإجراء بحث بمكتب القاضي المقرر والأمر تمهيديا بإجراء خبرة أسندت للخبير محمد بناني صدر الحكم المطعون فيه القاضي بإلغاء الخبرتين لجداول الضريبة موضوع أمر التحصيل عدد 1180 فيما زاد على مبلغ مليون ومائة وتسعة وخمسون ألف درهم وخمسة وتسعون درهم موضوع النزاع، فاستأنف وزير المالية الحكم المذكور، وحيث تمسك في مقال الاستئناف بانعدام صفة التقاضي عن الشركة المستأنف عليها، ما دامت موضوعة تحث الحراسة القضائية وعدم ارتكاز الحكم على أساس عندما لاحظت المحكمة أن رفع الدعوى قبل الأوان لم تتضرر منه الإدارة لأن ذلك مخالفة ظاهرة وصريحة للمادة 52من القانون رقم 86/24.والمادة 47 من القانون رقم 85-30...
حيث أنه فيما يرجع للصفة، فإن من الواضح أن الأمر بالتحصيل صدر في مواجهة الشركة المستأنف عليها فكان من حقها أن تطعن فيه لأنه مس بمركزها وأضر بمصالحها. مما تكون معه متوفرة على الصفة للتقاضي...».
والأصل أن يقدم الطعن أمام القضاء شخصيا من طرف الخاضع للضريبة لكن لا مانع من مباشرة إجراءات الدعوى من قبل الغير إما بوكالة أو بدون وكالة[36]. وقد أكد القضاء الفرنسي هذا الإتجاه في حالات متعددة نذكر منها:
●القضاء الفرنسي لا يرى مانعا في قبول دعوى الزوجية المرفوعة نيابة عن زوجها بشرط أن تكون مقيمة معه في نفس البيت.
●ويسير القضاء الفرنسي على قبول – بدون وكالة- الدعوى المرفوعة من أم باسم إبنتها الميتة ، ولكنه رفض الدعوى المقامة من طرف الابن باسم أحد والديه[37].
وضمن هذا السياق، تجبر المادة 3من القانون رقم90-41. الملزم الذي يرفع دعواه أمام المحاكم الإدارية تنصيب محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، كما ألزم نفس القانون أداء الرسوم القضائية، وهو ما يرفضه أو يجهله نسبة هامة من المتقاضين على أساس أن دعواهم تدخل ضمن دعاوي الشطط في استعمال السلطة[38].
الفقرة التانية :الشروط المتعلقة بالإدارة الضريبية.
نظرا لكون الإدارة الضريبية تتمتع بمجموعة من الامتيازات والسلطات والصلاحيات الواسعة لكونها جهاز إداري يخضع للقانون العام يجعل منها في موقع غير متكافئ مع الملزمين باعتبار هؤلاء الأخيرين طرفا ضعيفا في العلاقة. الشئ الذي يجعلها في غالب الأحيان في موقف المدعى عليها وبالتالي إعفائها من واجب الإثبات.
وبالرغم من ذلك تملك الإدارة إمكانية اتخاذ مبادرة اللجوء إلى المحكمة. وفي هذا فأن إمكانية الإدارة في رفع دعوى ضد المكلف تتمحور أساسا حول ثلاث مجالات:
●إما اللجوء إلى المحكمة على إثر مقرر صادر عن لجان التحكيم الضريبية إذا بتت بغير وجه حق في مسائل قانونية.
●أو على إثر منازعة زجرية ضد الملزم، خاصة في ميدان الجمارك أوفي جريمة الغش الضريبي.
●إذا رأت الإدارة أن الخلاف مع الملزم عميق ومعقد في هذه الحالة تحيل تلقائيا ملف الشكاية إلى المحكمة المختصة مع إعلام الملزم المعني بالأمر.
والإشكال المطروح في هذا الإطار يتعلق بالجهة أو الأشخاص الذين يملكون الصفة لتمثيل إدارة الضرائب بمختلف مكوناتها أمام القضاء. وبالتالي يملكون الصلاحية لتوجيه الدعوى ضدهم؟ ذلك أنه غالبا مايقع التباس لدى عدد كبير من المكلفين أو من يكلفوهم بالنيابة عنهم أمام القضاء، حول الجهة التي يقيمون الدعوى ضدها بحيث لا يفرقون بين المنازعة في تحصيل الضريبة، فقد يدخل المدعي في مقاله الخازن العام في دعوى تتعلق بالمنازعة في تأسيس الضريبة فيطلب الخازن العام إخراجه من الدعوى، بحيث إذا لم يتم إدخال مديرية الضرائب يكون مآل الدعوى هو عدم القبول نظرا لتوجيهها ضد غير ذي صفة. وقد يحصل العكس فيكون النزاع منصبا على التحصيل فيدخل المدعي في الدعوى مديرية الضرائب خطأ ويغفل عن إدخال الخازن العام فيكون مآل الدعوى هو عدم القبول أيضا لنفس العلة ، وفي هذا الإطار جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 25/04/1995.ما يلي." يتعين التمييز في إطار المنازعات بين المنازعة في مقرر فرض الضريبة، وبين المنازعة في إجراءات تحصيل هذه الضرائب التي أو كل ظهير21/8/1935 مهمة القيام بها الخازن العام والقباضات الجهوية، إذ ينبغي الطعن في مبدأ فرض الضريبة في مواجهة مصلحة الضرائب، ولا تقبل الدعاوى الموجهة ضد الخازن العام إلا إذا تعلقت بالطعن في إجراء من إجراءات التحصيل ...».
كما أن جل الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الإدارية توجه ضد أطراف متعددة نذكر منها على سبيل المثال:
1- الدولة المغربية في شخص الوزير الأول.
2- وزير المالية.
3- مدير الضرائب.
4- الخازن العام للمملكة.
5-الوكيل القضائي للمملكة.
6- قابض الضرائب... الخ.
ويعود سبب ذكر كل هذه الأطراف إلى خوف المتقاضين من رفض دعواهم شكلا نظرا اللبس الذي كان يكتنف المادة 515 من قانون المسطرة المدنية التي كانت تنص على ما يلي:ترفع الدعوى ضد:
1- في شخص الوزير الأول، وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عن الاقتضاء.
2- الخزينة في شخص الخازن العام...".
في حين أن مشكلتهم الحقيقية ونزاعهم الحقيقي يتمثل في القرار المتخذ من طرف إدارة الضرائب والمنفذ من طرف القابض ،خاصة أن العديد من الدعاوي المرفوعة في السنوات الأولى من إنشاء المحاكم الإدارية اصطدمت برفضها شكلا لكونها مرفوعة على غير ذي صفة،وهكذا فإن عددا من الأحكام بنيت على القاعدة التالية:"لا يصح التقاضي إلا لمن له الصفة والأهلية والمصلحة لإتباث حقوقه" (المادة1من ق م م)،تتعرض لعدم قبول الدعوى التي وجهت مباشرة ضد وزير المالية الذي لا صفة له في تمثيل الدولة،وضد القابض الذي لا صفة له في تمثيل الخزينة العامة .
غير أن هذا اللبس ارتفع بمجرد صدور القانون رقم 01-48[39]. المعدل للمادة 514 من ق.م.م والذي جعل الدعوى الضريبية ترفع ضد مدير الضرائب، وهو نفس اتجاه الذي سبق أن تبنته المحكمة الإدارية بفاس[40].إذ اشترطت اختصاص المدير الجهوي للضرائب، تحت طائلة عدم قبول الدعوى، رغم كون هاته الأخيرة موجهة ضد وزير المالية ومن معه، وكان الأمر يتعلق بالوعاء الضريبي، كما قبلت المحكمة الإدارية بوجده[41] في أحد أحكامها دعوى موجهة فقط ضد مدير الضرائب. لكن ما الحكم إذا وجهت الدعوى ضد القابض باعتباره المكلف بالتحصيل إذا كان الأمر يتعلق بمنازعة في التحصيل؟.
القاعدة التي تتفق عليها سائر محاكم المملكة هو ضرورة توجيه الدعوى المتعلقة بمنازعة في التحصيل ضد الخازن العام وحده تحت طائلة عدم القبول، وهو ما سارت عليه المحكمة الإدارية بالبيضاء[42]. عندما أكدت على أن كل دعوى تتعلق بدين مستحق للخزينة العامة، ينبغي رفعها ضد الخازن العام الذي له وحده الصفة في التقاضي أمام المحكمة طبقا لما هو منصوص عليه في المادة515 من ق.م.م، ويتعرض لعدم القبول الطلب المقدم ضد القابض ، لأن هذا الأخير ليس له الصفة في تمثيل الخزينة العامة للمملكة،
وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 515 قانون المسطرة المدنية نجدها تنص على أن الدعوى ترفع ضد الخزينة في شخص الخازن العام مما يكون المدعي الذي لم يدخل الخازن العام في دعواه، قد خالف المقتضيات المذكورة ويتعين معه تبعا لذلك التصريح بعد قبول الطلب».
المبحث الثاني :الإجراءات المسطرية للدعوى الضريبية .
تجدر الإشارة إلى أن المسطرة القضائية هي مسطرة كتابية وحضورية تواجهية إضافة إلى أنها مسطرة تفتيشية. و حق الملزم في نشر النزاع الضريبي أمام المحاكم الإدارية قائم طالما أنه استوفى الشروط الجوهرية والشكلية المطلوبة في تقديم الطعن القضائي. وبعد تقديم الطعن وفق الشرط المنصوص عليها تباشر المحكمة إجراءات الإثبات أو التحقيق في شأن النزاع الضريبي المطروح أمام أنظارها إذا ارتأت ذلك ضروريا. هذا ما سنحاول التطرق إليه في النقط التالية.
المطلب الاول : الاجراءات الشكلية لرفع الدعوى.
بصرف النظر عن أول شرط جوهري لرفع النزاع الضريبي المتعلق بأسس فرض الضريبة أو احتسابها، والذي يتمثل في إلزامية استنفاذ الملزم للمرحلة السابقة على المرحلة القضائية، يتعين على الملزم كشرط ثاني لرفع دعوى قضائية، أن يحترم الآجال المنصوص عليها في القوانين الضريبة( المدونة العامة للضرائب ) لممارسة الطعن القضائي . وبعد ذلك يستوجب عليه احترام الشروط المرتبطة برفع الدعوى ذاتها.
الفقرة الاولى : آجال تقديم ا لطعن أمام القضاء.
يتضح مما تقدم ذكره أن حق الملزم في ممارسة الدعوى القضائية مشروط باحترام الآجال القانونية القانونية التي تفرضها القوانين الضريبية ، فإذا أخل بها ترتب على ذلك سقوط هذا الحق، بمعنى آخر أن الملزم إذا رفع الدعوى بعد فوات الأجل فإنها ستكون معرضة للرفض من طرف المحكمة وهو نفس المصير الذي تعرفه الدعوى التي يرفعها الملزم قبل تبليغه قرار الإدارة الجبائية أو مقرر اللجنة الضريبية، أو قبل انتهاء المدة المرخص بها للإدارة للرد على المطالبة التي تقدم بها. ويتعين على الملزم أن يرفع الدعوى القضائية في غضون الأجل المحدد لذلك في قانون الضريبة المتنازع بشأنها. وبالرجوع إلى المدونة العامة الضريبة جاءت الآجال كما يلي:
لقد نصت المادة242 من المدونة العامة للضرائب على "أنه يجوز للخاضع للضريبة أن ينازع عن طريق المحاكم في الضرائب المفروضة على إثر المقررات الصادرة عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة التي أصبحت نهائية أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة وفي الضرائب التي تفرضها الإدارة تلقائيا باعتبار الأساس الذي بلغته بسبب تصريح اللجنة المذكورة بعدم اختصاصها، وذلك داخل آجل الستين (60) يوما الموالية لتاريخ صدور الأمر بالتحصيل أو قائمة الإجراءات أو الأمر بالاستخلاص.
إذا لم يترتب على المقرر الصادر عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة الذي أصبح نهائيا أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة إصدار جدول تحصيل أو قائمة إرادات أو أمر بالاستخلاص، جاز تقديم الطعن داخل الستين(60) يوما الموالية لتاريخ تبليغ قرار اللجان المذكور.
ويمكن للإدارة كذلك أن تنازع عن طريق المحاكم داخل الأجل المذكور حسب الحالة في الفقرة الأولى أو الثانية أعلاه في القرارات الصادر عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، سواء تعلقت هذه القرارات بمسائل قانونية أو واقعية.
يمكن أن تنازع عن طريق المحاكم في عمليات تصحيح الضرائب المفروضة في نطاق المساطر المنصوص عليها في المادتين221 أو 224من (م.ع.ض) داخل آجل ستين(60)يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار الصادر عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.
أما الآجال المتعلقة بالمطالبة فقد نصت المادة 243 من المدونة العامة للضرائب على" أنه في حالة عدم قبول الخاضع للضريبة القرار الصادر عن الإدارة عقب بحث مطالبته جاز له أن يرفع الأمر إلى المحكمة المختصة داخل أجل تلاثين(30) يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار المذكور".
وإذا لم تجب الإدارة داخل الستة( 6 )أشهر الموالية لتاريخ المطالبة ،جاز كذلك للخاضع للضريبة الطالب رفع طلب إلى المحكمة المختصة داخل أجل ثلاثين (30)يوما الموالية لتاريخ انصرام أجل الجواب المشار إليه أعلاه.
أما الدعوى المتعلقة بالتحصيل فإن أجل الطعن في إجراءات التحصيل حسب المادة28 من القانون رقم 41-90 المنظم للمحاكم الإدارية والمادتين 120و121 من مدونة التحصيل محددة في 30 يوما تحتسب:
- من تاريخ تبليغ مقرر الإدارة (الخزينة العامة) جوابا على مطالبة المدين.
- من تاريخ انقضاء أجل الرد الممنوح للإدارة(الخزينة العامة) والمحدد في ستين(60) يوما الموالية لتاريخ توصلها بالمطالبة.
وقد نصت المدونة العامة للضرائب على أن هذه الآجال هي أجال كاملة[43].بحيث لا يعتبر في الحساب اليوم الأول من الأجل ويوم حلول الأجل، كما أنها تعتبر من النظام العام يترتب على فواتها عدم قبول طلبات الطعون.
وتثمينا للفكرة أعلاه أكدت ذلك المحاكم المغربية في عدة أحكام نذكر منها حكم المحكمة الإدارية بالرباط[44] حيث قضت بأن"الطعن في مقرر اللجنة الوطنية بخصوص الضريبة على القيمة المضافة قبل وضع الأمر بالتحصيل موضع التنفيذ يعتبر سابقا لأوانه، ويترتب عنه عدم قبول الدعوى" في حين قبلت المحكمة الإدارية بمكناس والمحكمة الإدارية بمراكش الطعن المقدم ضد مقرر اللجنة الوطنية في مادة التسجيل قبل صدور بيان التصفية[45].
بقي أن نشير على أن مسألة الآجال على المستوى القضائي تعتبر من النظام العام، ولذلك فإن أي تقديم لدعوى قضائية من طرف الملزم خارج الأجل المحدد لذلك، يؤدي إلى رفض الدعوى، وهذا ما ذهبت إليه كثير من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية[46].
الفقرة التانية : عريضة الدعوى.
من أهم مميزات القضاء الإداري اعتماده على إجراءات كتابية خلافا لبعض الدعاوي التي تعتمد على المرافعة الشفوية، وبالتالي المحكمة الإدارية تختص إجباريا في الدعاوى إذا قدمت لها عريضة مكتوبة وموقعة من طرف محام مسجل في لائحة إحدى النقابات بالمغرب[47].
فالإدارة غير معفية من إجبارية تنصيب محام أمام المحاكم الإدارية لا سيما وأن الفصل الثالث(3) من قانون 41-90يجبر على كون العريضة مكتوبة وموقعه من طرف محام.
في حين يرى البعض الآخر[48], أن الإدارة يمكن ألا تكون ممثلة بواسطة محامي وهو ما أكده المشرع المغربي في قانون المسطرة المدينة في الفصل 354 بإعفاء الإدارة من تنصيب محام.
لكن هذا الإشكال تم حله من خلال الفصل 244 من المدونة العامة للضرائب وهو أن إدارة الضرائب تمثل أمام المحاكم الإدارية سواء كانت مدعية أو مدعى عليها بواسطة مدير الضرائب أو الأشخاص المفوض إليهم هذا الأمر.
أما في فرنسا فإن مساعدة المحامي ليست ضرورية والملزم يمكنه نفسه تقديم العريضة مع تأدية رسم الطابع البريدي يقدر ﺒ 150 أورو أي(1.650درهم).
ونجد من الناحية العلمية أن الإدارات تتعاقد مع محامين يدا فعون عن مصالحها والترافع بشأنها.
أما من حيث مضمون العريضة فيجب أن تتضمن عموما البيانات اللازمة وفقا للمادة 7 من قانون 41-90 الذي أحال على المادة 32 من ق.م.م أي الاسم العائلي والشخصي. وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي اسمه وشكله القانوني ومركزه الاجتماعي، ذلك أن المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية تؤكد على أنه« لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه».
ويجب أن تتضمن العريضة علاوة على ذلك تعيين الجهة المدعى عليها أي مدير الضرائب بالنسبة للطعن في أساس الضريبة أو الخازن العام والمحصل بالنسبة لنزاعات التحصيل، وقد اجتهدت جل المحاكم الإدارية في السنوات الأولى لنشاطها في الجانب الشكلي للعريضة حيث فرضت إدخال الوزير الأول بصفته يمثل الدولة المغربية ما دام وزير المالية لا يمثلها. مما دفع أغلب المحامين خوفا من رفض دعواهم إلى إقحام الوزير الأول ووزير المالية ومدير الضرائب والمدير الجهوي للضرائب وفي بعض الأحيان يتم إضافة الخازن العام والقابض (ستة أطراف ) مما ينتج عنه وضع عدد نسخ العريضة بعدد الأطراف وضياع الوقت في تبليغهم جميعا، بحيث لا يجيب على عريضة الملزم في نهاية المطاف إلا مديرية الضرائب أو توكل مهمة الجواب للمدير الجهوي كما يتقدم الخازن العام في هذه الحالات بمذكرة جوابية يطلب فيها إخراجه من الدعوى لعدم ارتباطها بمنازعة في إجراءات التحصيل[49].
ومن جهة أخرى يجب أن يتضمن المقال الافتتاحي للدعوى الضريبية موضوع النزاع بإيجاز والوسائل والأدلة التي يستند إليها فلا يكفي إبداء الملزم لرغبته في نشر النزاع أمام القضاء أو تكتفي بالقول برفض قرار الإدارة أو مقرر اللجنة بل لابد من عرض موجز للوقائع وعرض مفصل لوسائل الدفاع مع الإشارة إلى احترام الملزم لإجراءات التظلم التمهيدي ولا يمكن أن ينازع في ضرائب أخرى لم تكن موضوع تظلمه أو يطلب تخفيضا أكثرمن الذي طلبه في المرحلة الإدارية ولكن بإمكانه أن يحتج بأساس قانوني أو وسيلة دفاع جديدة . أما مرفقات العريضة، فتكمن في نسخة من قرار الإدارة أو مقرر اللجنة الوطنية أو اللجن الأخرى السالفة الذكر ونسخة من الأمر بالتحصيل وأية وثيقة تدعيم وسائل دفاعه المثارة في صلب العريضة.
وبعد وضع العريضة بكتابة الضبط تسلم إلى الشخص المعني نسخة تحمل خاتم كتابة الضبط وتاريخ الإيداع مع الإشارة إلى الوثائق المرفقة. وبعد ذلك يحيل رئيس المحكمة الملف على قاضي مقرر وإلى المفوض الملكي.
المطلب الثاني : الاجراءات الشكلية لصدور الحكم والطعن فيه
إن إجراءات صدور الأحكام في النزاعات الإدارية لا تختلف عن إجراءات النزاعات العادية ( الفقرة الاولى ) وكذلك طرق الطعن في النزاعات الادارية ( الفقرة التانية).
الفقرة الاولى : اجراءات صدور الحكم
قبل صدور الحكم لا بد في أي نزاع ،يجب أن تلجأ المحكمة إلى إجراءات تمهيدية من قبيل مرحلة التحقيق في الدعوى التي يقوم بها القاضي المقرر تبدو مرحلة حاسمة في تكييف هذه الأخيرة وتوجيهها، بحيث عليه استعمال جميع الوسائل القانونية المسطرية المتوفرة لديه لكي يظهر حقيقة الالتزام الضريبي ويطبقها على أطراف الدعوى، ومن ضمن الوسائل المتوفرة لديه،هناك بالإضافة إلى استدعاء الأطراف وتبادل المذكرات، وسيلتي البحث وإجراء الخبرة ،وذلك طبقا لمقتضيات إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية[50]. فللمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد طرفي النزاع أو هما معا بالقيام بإحدى إجراءات التحقيق متى رأت ذلك ضروريا وتتمتع المحكمة في ذلك بسلطة تقديرية في اختيار طريقة التحقيق، كما للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم بالانتقال بكامل هيأتها أو انتداب واحد من أعضائها إلى محل النزاع لإجراء التحقيقات التي قررها حكم إجراء عملية التحقيق وذلك لمعرفة الحقائق الدقيقة للنزاع الجبائي[51].
وبهذا تعد الخبرة من إجراءات التحقيق التي قررها المشرع لمساعدة القاضي، بمناسبة إثبات وقائع معينة لتكوين قناعته لاتخاذ القرار الملائم؛ وبالتالي إعطاء الفرصة للأطراف للإدلاء بحججهم، ولهذا فالقاضي في بعض القضايا ذات الطابع المحاسبي لا يملك الخبرة والدراية الكافيين في علم المحاسبة، مما جعل المحكمة تلجأ إلى الخبرة كما هو منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالبيضاء[52].
وحتى تصبح القضية جاهزة للحكم، أي بعد أن يكون كل طرف قد استنفذ جميع وسائل دفاعه وعقب على دفوعات الطرف الأخر، ليتم على إثر ذلك إصدار القاضي المقرر للأمر بالتخلي، ويبلغ إلى الطرفين استدعاء هما إلى الجلسة .إلا أن حضورهما ليس ضروريا[53].
والقاعدة أن تكون الجلسات علنية[54]. ويمكن في حالات خاصة، إما بنص قانوني أو بأمر من المحكمة جعلها سرية، أو تعتبر الخصومات الضريبية بصفة خاصة المجال الأوسع لإعمال هذا الاستثناء حفاظا على الأسرار المهنية للمكلفين.
وبداية الجلسة يتولى المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون عرض مستنتجاته المكتوبة والشفوية على هيئة المحكمة بكامل الاستقلال سواء من الناحية القانونية أو الواقعية، لذلك فحضوره إلزامي في الجلسة العامة، ولكنه مع ذلك لا يشارك في إصدار الحكم.
وعند ما تصبح القضية جاهزة للحكم فيها، يقرر الرئيس قفل باب المرافعة، وحجز ملف النازلة للمداولة قبل النطق بالحكم وأول ما تقوم به الهيئة في مداولتها التأكد من استفاء الدعوى للأركان الشكلية المنصوص عليها قبل البت في مضمون الدعوى.
أما من ناحية سلطات المحكمة فهي واسعة بناء على قاعدة القضاء الشامل، يمكنها إسقاط المبلغ الضريبي كليا أو جزئيا أو الاحتفاظ بمبلغه كما صدر في الجدول. كما يمكن إيقاف تنفيذ قرار الإدارة.
وعلى كل حال فإن القرارات تصدر متضمنة للبيانات الإلزامية من وقائع وتعليل ومنطوق، ويتم تبليغها وفق للقواعد العامة الواردة في ق.م.م،(المواد من 50إلى 54)، مع إشعار الأطراف بأن لهم أجل 30 يوم من تبليغ الحكم لممارسة الطعن بالإسثئناف[55].
وتجدر الإشارة إلى أن طرق الطعن في هذه الأحكام نوعان طرق عادية وطرق غير عادية.
الفقرة الثانية : طرق الطعن
تقوم فكرة الطعن في الأحكام على اعتبارات وجود احتمال خطأ القاضي في فهم أو تطبيق القانون، وبالتالي لا بد من وجود وسائل لإصلاح أخطاء القضاء، ثم كذلك معالجة سلوك المحكوم الذي لا يقبل الأحكام الصادرة ضده[56].
والمستجد المهم هو إحداث المحاكم الإدارية الإسثئنافية[57]. التي أصبح يستأنف أمامها أحكام المحاكم الإبتدئية التي كانت من قبل من اختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
ولقد أكد المشرع على أن المنازعات الجبائية بصفة عامة تخضع لنفس طرق الطعن التي تخضع لها المنازعات العادية المنصوص عليها في ق.م.م، ولهذا فهي تتوزع بين طرق الطعن العادية و طرق الطعن غيرالعادية.
أولا: طرق الطعن العادية.
1- الطعن بالإستئناف.
الإسثئناف وسيلة من طرق الطعن العادية يلتمس فيه الطاعن من محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي مجال الطعن، إبطال هذا الحكم كلا أو جزءا أو الفصل في الدعوى من جديد ابتغاء تدقيق النزاع ثانية والحكم فيه من جديد على نحو يصحح معه الخطأ التي تضرر منه الفريق الطاعن[58].
وقد أصبحت المحاكم الإدارية الإسثئنافية بدخول القانون رقم 03-80 المحدث لها حيز التنفيذ تتظرفي الأحكام الإبتدائية الصادرة عن المحاكم الإدارية[59]. وذلك داخل أجل ثلاثين(30) يوما من تاريخ تبليغ الحكم الإداري الابتدائي[60].
كما أنه يجب أن يرفع الإسثئناف بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف محام مع إعفاء من الرسوم القضائية، ويودع بكتابة ضبط المحكمة الإدارية مصدرة الحكم التي تتولى رفعه إلى كتابة ضبط محكمة الإسثئناف داخل أجل 15 يوما من تاريخ الإيداع.
وفي غياب مسطرة خاصة بالمحاكم الإدارية سواء الإسثئنافية أو الابتدائية، فإن هذه الأخيرة تحيل على ق.م.م[61].
ب- الطعن بالتعرض.
الطعن بالتعرض هو طريق من طرق الطعن العادية في الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الإدارية إذا لم تكن قابلة للإسثئناف.
ويعتبر الحكم غيابيا في المنازعات الجبائية عندما لا يقدم الملزم مذكراته بعد أن تم تبليغه من قبل المحكمة بالطعن المقدم من طرف الإدارة الجبائية، ولكن مع ذلك يبقى مجال الطعن بالتعرض جد ضيق خاصة بعد أن أصبحت إقامة الدعوى أمام المحاكم الإدارية تقتضي أن تكون بواسطة محام.
غير أنه بالرجوع إلى الفصل 130 من ق.م.م، نجده ينص على عدم جواز التعرض على الأحكام الغيابية إذا كانت قابلة للإسثئناف واستناد إلى المادة 45 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية التي تنص على أن أحكام المحاكم الإدارية قابلة للإسثئناف، نستنتج أن الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم غير قابلة الطعن بالتعرض لعدم جواز الجمع بين التعرض والاستئناف، باستثناء ما جاء به القانون المحدث للمحاكم الإدارية الإسثئنافية والذي نص على أن الأحكام الصادرة في إطار فحص شرعية القرارات الإدارية أو المنازعات الإدارية، الصادرة عن المحاكم الإدارية وابتدائيا وانتهائنا وبالتالي فهي قابلة للطعن بالتعرض[62].داخل أجل عشرة (10) أيام من تاريخ تبليغ الحكم.
ثانيا: طرق الطعن غير العادية.
بالرجوع إلى التشريع الجبائي المغربي لا نجد أي نص يمنع الملزم أو الإدارة الضريبية من اللجوء إلى طرق الطعن غير العادية وتتجلى هذه الأخيرة في تعرض الغير الخارج عن الخصومة والتماس إعادة النظر والطعن بالنقض. وسنعالج كل حالة على حدى في النقط التالية:
1- تعرض غير الخارج عن الخصومة.
هو طريق استثنائي وضعه المشرع في متناول الأشخاص الذين لم يكونوا أطرافا ولا ممثلين في دعوى صدر فيها حكم أضر بمصالحهم وحقوقهم[63]. فهل يجوز سلوك هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية؟ .
باعتبار أن مواد القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية تحيل على فصول المسطرة المدنية فلا شيء يمنع من اللجوء إلى هذه الوسيلة للطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، إلا أنه فيما يخص المنازعات الجبائية نادرا ما يتم اللجوء إلى هذا النوع من الطعن بالنظر لكون الإجراءات الجبائية الخاصة بالمادة الخاضعة للضريبة تتميز بالدقة في تعيين الشخص المعني بالضريبة أو الرسوم المحلية، إضافة إلى كون المحكمة تقتصر في حكمها إما على إلغاء الضريبة أو الرسم أو الاحتفاظ بهما وبالتالي لا تحمل الغير أية تبعات.
2-التماس إعادة النظر.
هو طريق من طرق الطعن غير العادية في الأحكام الإنتهائية يرفع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، ويرمي من خلاله الطاعن إلغاء حكم قضائي لم يعد قابلا للطعن فيه بالطرق العادية كالتعرض أو الاستئناف وذلك استنادا للأسباب الواردة في الفصل 402من ق.م.م،[64].
ونشير على أنه بخصوص هذا الطعن عدم الإشارة إليه من طرف المشرع سواء في القانون رقم 90-41 أو القانون رقم 03/80 غير أنه لا يوجد أي نص يمنع اللجوء إليه أمام القضاء الإداري، وبالنظر إلى انعدام مسطرة خاصة للتقاضي الإداري فإن الفصل 303من ق.م.م،المحال عليه ينص على إمكانية الطعن بالتماس إعادة النظر في حالة مس الحكم بحقوق الغير، وفي المجال الجبائي غالبا ما تدعي الإدارة أن المحكمة قضت بما لايطلب منها محاولة منها لتحرف مسار الدعوى الجبائية[65].
والتماس إعادة النظر يقدم في شكل طلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم داخل أجل 30 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه، مع ضرورة إرفاقه بوصل يثبت إبداع مبلغ لكتابة الضبط يساوي الحد الأقصى للغرامة التي يمكن الحكم بها على الطرف الذي يخسر طلب إعادة النظر[66]
3- الطعن بالنقض.
طلب النقض هو طريق غير عادي يهدف إلى عرض الحكم المطعون فيه على المجلس الأعلى قصد نقضه لما يشوبه من عيوب قانونية سواء من الناحية الإجرائية أو الموضوعية.
وحسب الفصل 359 من ق.م.م، فإن طلب النقض يجب أن يستند إلى أحد الأسباب التالية.
●خرق القانون الداخلي.
● خرق قاعدة مسطرية أضرت بأحد الأطراف.
●عدم الاختصاص.
● عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل.
وقد ثم الاعتراف لأطراف النزاع الجبائي بإمكانية توجيه طعن بالنقض بمقتضى المادة16 من القانون رقم 03-80 المحدث للمحاكم الإدارية الإسثئنافية، حيث نادرا ما تتوقف المنازعة عند حدود طرق الطعن العادية ،إلا أن اختصاص المجلس الأعلى في هذا الشأن لا يجب أن يفهم منه على أنه محكمة موضوع يبت في جوهر النزاع .إنما هو محكمة قانون يراقب مدى احترام الحكم المطعون فيه للنصوص القانونية الجاري بها العمل.
وفي معرض بته في طلب النقض يكون الحكم الصادر عن المجلس الأعلى إما بقبول النقض أو رفضه، فإذا رفض النقض اكتسب الحكم المطعون فيه مناعة مطلقة وأصبح في منأى عن أي طعن، أما إذا قبل طلب النقض فإن الحكم المنقوض يجرد من كافة أثاره ويعتبر كأنه لم يكن ويعاد بالأطراف إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل صدوره ويترتب عن ذلك بطلان جميع الأعمال التنفيذية التي اتخذت من أجل تنفيذ الحكم المنقوض وترجع القضية نتيجة إلى ذلك إلى المحكمة التي أصدرت الحكم[67].
أما على مستوى التشريع المقارن ففي فرنسا مثلا فإن مجلس الدولة الفرنسي هو المختص بالنظر في إلغاء جميع القرارات الصادرة عن محاكم الإسثئناف الإدارية[68] .
إذا كانت المنازعات الجبائية هي المقياس الحقيقي لمصداقية أي نظام ضريبي، فإن وجود أحكام ومقتضيات قانونية تحكم النزاع الضريبي في المغرب،يعتبرأمرا ضروريا، وذلك لحماية حقوق الملزمين من الأخطاء والهفوات التي تحصل سواء أثناء تحديد المادة الضريبية الخاضعة للضريبة واحتسابها أو أثناء تحصيل الضريبة كعدم احترام إجراءات المتابعة المنصوص عليها قانونا.
فالتجربة القضائية للمنازعات قد أظهرت أن القضاء يلعب دورا إيجابيا كمحطة حاسمة في النزاع الجبائي وضمان مصداقية نظام المنازعات، فتعرضنا خلال تحليل المرحلة القضائية لتسوية المنازعات الضريبية إلى مختلف الإجراءات المتبعة في رفع الدعوى وطرق البحث وعملية إصدار الأحكام وطرق الطعن فيها,
ولهذا وفي الأخير ، فإنه يمكن القول بأن نظام المنازعة الجبائية في المغرب هو في تطور مستمر,ولهذا فهو يحاول خلق المزيد من الضمانات للملزمين، الشيء الذي يؤدي أوتماتيكيا إلى تحسين العلاقة بين الملزمين والإدارة الضريبية من خلال مد جسور التواصل بينهما من خلال خلق حوار بناء وفاعل لحل الخلافات النزاعية في منبعها. فهو سبق الذكر محصور بين تحقيق التوازن والتوفيق بين الحفاظ على مداخيل الدولة باعتبارها المحرك الأساسي لتنمية الإقتصاد الوطني وضمان العدالة الضريبية للملزمين من خلال إصدار أحكام تهدف إلى ضبط هذه المعادلة.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا